"نريد أن نحسن صورتنا في عالمكم العربي، ذلك لأهميته البالغة لنا" بهذه الكلمات أكد سكرتير عام منظمة حلف شمال الأطلنطي "حلف الناتو" NATO هووب شيفرHoop Scheffer على أحد أهم أهداف الحلف في هذه المرحلة الحساسة التي تتغير فيها طبيعة أهم تحالف عسكري غربي.

جاءت تصريحات سكرتير عام الحلف لمجموعة صغيرة من الصحفيين العرب تم دعوتهم لزيارة مقر الناتو بالعاصمة البلجيكية بروكسل، بالإضافة إلى زيارة للتعرف على ما يقوم به حلف الناتو في إقليم كوسوفو الصربي ذات الأغلبية المسلمة الألبانية.

وتحدث سكرتير عام الناتو عن أهمية الجار الجنوبي (الدول العربية) لدول الحلف في العالم الجديد الذي يشهد تغييرات جيو-إستراتيجية هامة تحولت على آثرها طبيعة حلف الناتو من القيام بمهام عسكرية تقليدية إلى مهام جديدة تتمثل في مهام حفظ السلام الأمن الإقليمي بما يتطلب معه إقامة شراكة مع دول عربية ومتوسطية.

سوء صورة حلف الناتو في العالم العربي

وجاء اعتراف أكبر مسئولي حلف الناتو عن وجود مشكلة تتعلق بصورة الناتو بين الشعوب العربية، وصورة العرب عند حلف الناتو كذلك ليضيف بعدا جديدا في الجهود الغربية المتعددة للتقرب من الشعوب العربية والتي ظهرت بوضوح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وأشار شيفر إلى ضرورة أن يعمل حلف الناتو جنبا إلى جنب مع الدول العربية من أجل تجاوز مشكلة سوء الفهم المتبادل. وجاءت دعوة مجموعة الصحفيين العرب ضمن جهود حثيثة يتبناها الحلف من أجل إقامة جسور حوار وتفاهم مع الشعوب العربية بصورة مباشرة. وأقر كبار مسئولي حلف الناتو الذين تم اللقاء معهم على وجود علاقات جيدة مع الحكومات العربية بصفة عامة، في حين أقروا جميعا بسوء صورة حلف الناتو في الشارع العربي واستمرار النظر إليه كحلف يستخدم القوة العسكرية فقط بغض النظر عن القانون الدولي والشرعية الدولية. ومن التطورات اللافتة للنظر إصدار الحلف مؤخرا عدة مطبوعات باللغة العربية بهدف تعريف القراء العرب بتحول الناتو للقيام بمهام إنسانية تخدم في حالات كثيرة شعوبا إسلامية. بالإضافة لذلك تم تعيين عدة أشخاص تتقن اللغة العربية للعمل مع وحدة الدبلوماسية العامة في مقر حزب الناتو ببروكسل.

ضرورة تبني إصلاحات عسكرية!!

يشكل الوطن العربي عموما مأوى للعديد من الظواهر السياسية والأمنية التي ينظر إليها حلف الناتو كمصدر لتهديدات إستراتيجية مستقبلية على دوله الـ26. ظواهر مثل الإرهاب والإسلام المتطرف وانتشار أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى استمرار عمليات الهجرة غير الشرعية من الدول العربية لدول حلف الناتو ينظر إليها كمصادر محتملة لعدم استقرار مستقبلي. لذا بادر حلف الناتو بالعمل على التقرب من المنطقة العربية. ومنذ 1994 تم تبني مبادرة الشراكة من أجل السلام مع دول البحر المتوسط، تلى ذلك إطلاق مبادرة "استانبول للتعاون" العام الماضي، وأخيرا التعاون مع الدول العربية بصورة فردية في عمليات متعددة وبصورة فردية.

ويتطلع حلف الناتو إلى علاقات جديد وجادة مع الدول العربية ترتكز على ثلاثة محاور أساسية:

أولا:

استمرار الحوار المتوسطي الذي يضم سبع دول من شمال إفريقيا والشرق الأوسط (الجزائر ومصر وإسرائيل والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس). وهذا الحوار يتقدم بثبات، ويشمل برنامج عمله الآن موضوعات متنوعة مثل الإجراءات المتعلقة بالطيران، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، والإصلاح العسكري، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية، بالإضافة إلى المناورات العسكرية، والتدريب والتعليم.

ثانيا:

مبادرة استانبول للتعاون (ICI) التي أطلقتها قمة الناتو التي عقدت العام الماضي في المدينة التركية. وتركز هذه المبادرة على إقامة علاقات مع بلدان الشرق الأوسط، وسوف تتبع هذه المبادرة منطق مبادرة الحوار المتوسطي، وتركز بدورها على ميادين عملية مثل الإصلاح العسكري، والتدريب المشترك ومكافحة الإرهاب.

ثالثا:

مشاركة حلف الناتو في عمليات في المنطقة العربية، ومن أمثلة هذه العمليات وتدريب قوات الأمن العراقية، سواء داخل العراق أم خارجه. ومنطق هذا الأمر واضح: فجميع أعضاء الحلف لهم مصلحة في تمكين العراق من تولى مزيد من المسئولية عن أمنه الخاص. ومهمة الناتو التدريبية هي مهمة متواضعة في حجمها، إلا أنها إشارة قوية إلى أن الحلف يريد أن يضع الخلافات القديمة وراء ظهره، وأن يركز على التحديات الجديدة المطروحة. وهذا بحد ذاته تطور مهم. وفي هذا الإطار ذكر سكرتير عام حلف الناتو "أن الفشل في العراق ليس بديلا مطروحا". كذلك يظهر الدور المتزايد لحلف الناتو في توفير خدمات نقل وإمداد وتموين فيما يتعلق بأزمة إقليم دارفور السوداني.

ويهدف حلف الناتو من خلال إقامته علاقات مع الدول العربية إلى العمل على أن تسمح هذه الحكومات بإصلاح عسكري من شأنه توفير عناصر أساسية منها:

- السيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة...وضرورة أن تدار الدولة عن طريق جهات مدنية ديمقراطية.
- ضرورة مناقشة ميزانية القوات المسلحة في برلمانات الدول.
- المشاركة مع قوات حلف الناتو في عمليات مشتركة في مناطق التوتر الدولي التي يشارك فيها الحلف.

مبادئ الناتو في التعامل مع الدول العربية

يتبنى حلف الناتو في تعامله مع الدول العربية عدة مبادئ عامة يتمثل أهمها في عدم التفرقة بين أي من الدول. ويقصد بذلك أن ما يقدمه الحلف لدول ما يتم تقديمه لبقية الدول. إلى جانب ذلك يقوم الحلف بتفصيل برامج التعاون والتدريب لكل دولة بما يراعي خصوصياتها ومتطلباتها. ويرى الحلف كما جاء على لسان كبار المسئولين فيه أن الاستفادة المتبادلة بين الدول العربية ودول الحلف تشجع على ضرورة تدعيم عمليات التعاون المشتركة.
ولا يهدف حلف الناتو إلى أن تتناقض مبادراته مع أي مبادرات أمريكية أو أوربية أو مبادرات مجموعة الثماني الكبرى G8 كما ذكر كبار مسئولي الحلف، بل إلى أن تتمثل في تنسيق أوليات الحلف مع أوليات المبادرات الأخرى التي غالبا ما تطرح من قبل الدول الأعضاء فيه.

ومن هذا المنطلق يعمل حلف الناتو جاهدا على نقطة الدبلوماسية العامة بغية تشجيع الحوار بينه وبين الإعلاميين العرب، لكي يحظي أي قرار مستقبلي بتعاون عسكري أوسع مع الحكومات العربية بدعم مواطني هذه الدول.

ماذا عن سوريا وليبيا ...وإسرائيل

عندما وجه تقرير واشنطن سؤلا إلى نائب سكرتير عام حلف الناتو السيد مينوتو ريزو Minuto Rizzo حول عدم وجود سوريا وليبيا بين دول الشراكة المتوسطية مع حلف الناتو، ذكر المسئول الايطالي الجنسية أنه "رغم قيام ليبيا بخطوات جيدة من اجل نزع ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن حلف الناتو غير مستعد بعد لدعوتها للانضمام إلى هذه الشراكة". وعبر عن نفس الموقف من دعوة سوريا لهذه الشراكة أيضا. وقال المسئول "أن من شروط الانضمام للشراكة ان تعمل الدولة المرشحة على دعم استقرار منطقة الشرق الأوسط". ويتنافى هذا الموقف الرسمي للحلف من إدعائه عدم وجود تمييز في التعامل مع الدول المطلة على البحر المتوسط. أما عن حالة إسرائيل، فنفي كبار مسئولي حلف الناتو وجود أي نية لدعوة إسرائيل للانضمام كعضو كامل في حلف الناتو، هذا رغم ما يذكر إعلاميا بخصوص هذه القضية. ونفى المسئول وجود أي دور حاليا لحلف الناتو في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يتوقع وجود مثل هذا الدور مستقبلا. أسئلة تبقى...العرب بين حلف الناتو والولايات المتحدة.

هل ستؤدي أدوار حلف الناتو في أفغانستان والعراق والسودان وكوسوفو إلى ترك آثار جيدة على صورة حلف الناتو في الشارع العربي؟ وهل زيادة تعاون الحكومات العربية مع الحلف سيؤدي إلى قبول العرب للسياسات الأمريكية غير المقبولة على المستوى الشعبي؟ إضافة إلى ذلك، هل يجب أن يتوقع البعض أن يملك الناتو حلولا سحرية للبنية الأمنية الهشة التي تعاني منها المنطقة العربية؟

أسئلة كثيرة معلقة...ولا توجد إجابات دقيقة عليها. إلا أن الناظر إلى علاقة حلف الناتو مع الولايات المتحدة يدرك أنها لم تعد كما كانت قبل الحرب في العراق.

وشدد معظم من تقابل معهم تقرير واشنطن من مسئولي الحلف بمقره في بروكسل على أن وجود تحول في العلاقات بين أعضاء حلف الناتو. وتدار العلاقات بين الدول الأعضاء بصورة جديدة بين شاطئ الأطلسي، وأصبحت الأمور عبر شاطئ الأطلسي تحكمها المصالح التي تخضع لحسابات وتباديل وتوافيق، منها ما هو معلن... وما هو غير معلن...وأثبتت خبرة عدم إرسال الحلف لقوات عسكرية لمشاركة الولايات المتحدة في غزو العراق إلى وجود فرصة لعلاقات إستراتيجية مفتوحة بين المنطقة العربية وبين حلف الناتو بعيدا عن وجود شبح سيطرة الولايات المتحدة على سياسات وإستراتيجيات حلف الناتو.

مصادر
تقرير واشنطن (الولايات المتحدة الأمريكية)