تناقلت اوساط سياسية متعددة الاتجاه في اليومين الاخيرين رواية يصر عليها سياسيون قريبون من سوريا حول مضمون لقاء القمة الذي عقده الرئيس السوري بشار الاسد والرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة قبل اسبوع. وتفيد ان الرئيس المصري بادر نظيره السوري بالامساك بيده وقال له "سيفرمونك" قاصداً بذلك الضغوط الدولية، ونصحه بالتعاون في العراق للمساعدة على وقف المقاومة هناك ووقف دعم "حماس" و"حزب الله" والتعاون مع اللجنة الدولية المكلفة التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في تحقيقاتها مع الضباط الذين كانوا مسؤولين عن أمن لبنان خلال الاعوام الماضية، والمساعدة في استقرار الوضع الداخلي في لبنان.

ورد الاسد، تضيف الرواية، ان لا شأن لبلاده بالمقاومة في العراق، وان "حماس" لها كيانها ومصالحها وكذلك الامر بالنسبة الى "حزب الله" وان لايران نفوذاً كبيراً لدى التنظيمين المذكورين وحتى انه اصبح لايران نفوذ في سوريا كما لها نفوذ معروف في العراق. واضاف ان الاستجواب الذي اجراه المحققون الدوليون لم يثبت تورط اي من المسؤولين السوريين علماً ان لتقويم بعض الضباط محاذير كثيرة من بينها دفع هؤلاء الى الاقرار بأمور غير واقعية او ان ينعكس تسليمهم الى الخارج سلباً على وضعه في الداخل في ظل اقتناع بأن اميركا تريد رأس النظام في سوريا.

هذه الرواية أتت في خضم مجموعة تطورات متسارعة حال الغرق في المشادات السياسية الداخلية دون تسليط الضوء عليها او الاطاحة بها.

وقد جاءت بديلاً من زيارة كانت مقررة اصلاً لمبارك لدمشق ومن بين هذه التطورات الى زيارة الاسد للقاهرة زيارة ثانية لموفد الامين العام للامم المتحدة المكلف متابعة القرار 1559 تيري رود – لارسن لمصر بعد زيارة اولى حصلت قبل اسبوعين وبقيت بعيدة من الاضواء علماً انها كانت متوقعة من ضمن محور باريس، موسكو، لكنها تأجلت ثم حصلت فجأة واقتصرت على لقاء ثنائي بين مبارك ورود - لارسن. والزيارة الثانية شملت لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتبر غاية في الاهمية اذ اعقب تطورين الاول لقاء للرئيس السوري قبل عشرة ايام مع قادة الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، والآخر تواتر معلومات عن تهريب اسلحة الى لبنان عبر الحدود السورية الى بعض الفصائل الفلسطينية القريبة من دمشق يضاف الى هذه التطورات زيارة وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست – بلازي للقاهرة اثر اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك ونظيره المصري. وفي الساحة اللبنانية غرق السياسيون في تناقضات تفسير بعض كلام منسوب الى المحقق الالماني ديتليف ميليس.

والواقع ان ما نقل عن وزير العدل شارل رزق في شأن ما فهمه من ميليس اثار لغطاً وعلامات استفهام كبيرة في الوقت نفسه. فالمعلومات القليلة المتوافرة لدى مصادر ديبلوماسية تبدو على صلة بالتحقيق الدولي لا تتفق مع ما نسب الى رزق، على الاقل في نقاط معينة، بينها:

- ان ما تعرفه هذه المصادر يشير الى وجود ادلة كافية لدى ميليس على تورط فعلي لمسؤولين سوريين بعيداً من اي تسييس او استنتاجات مسبقة. وان لقاءاته في دمشق مع المسؤولين الذين اراد استجوابهم تميزت بأمرين: الاول محاولة المستجوبين جعل الاستجواب مناقشة مع المحققين وهو اتجاه رفضه ميليس ضمن الهامش الضيق جدا الذي اتيح له للتصرف داخل الحدود القانونية وغير القانونية التي فرضها السوريون. وكان حازما في ان اللجنة هي التي تستجوب ولا تقبل بتحويل الاستجوابات جلسات للمناقشة ولا ان ترد على اي اسئلة. والامر الآخر انه لم يكن هناك تعاون كاف من السوريين ولم يقتصر فقط على رفض طلب ميليس لقاء مسؤولين ارفع مستوى بل شمل الصيغة التي فرضت على الاستجوابات.

-ان الشاهد السوري الذي تنسب اليه شهادة طعنت فيها دمشق لا يقدمه التحقيق مجرد شاهد عرف بالتطورات او بتفاصيلها بل احد المشاركين الفعليين في الاعداد اي احد المتورطين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لكن الرواية التي تتناقلها الاوساط السياسية عن مضمون لقاء الاسد ومبارك تطعن بها معلومات موثوق بها تتحدث عن استعارة مدخل اللقاء من مضامين لقاءات سابقة للرئيسين واصبحت بمثابة اللازمة التي تتكرر في كل مناسبة مع رغبة كل فريق في فرض منطقه من اجل تبرير سياق معين لهذا اللقاء واي لقاءات اخرى مماثلة. وقد ابرز البيان الذي صدر عن الرئاسة المصرية بعد قمة الرئيسين ثلاثة عناصر: رفض مصر عزل سوريا من منطلق معارضتها المس باستقرار المنطقة وكبح جماح الاميركيين اذا وجد، لعدم التوغل في هذا الاتجاه. وهو ما تلتقي عليه مصر مع السعودية وفرنسا. علما ان مصر لا تستطيع تأمين الحماية لسوريا في حال ثبت وجود تورط سوري في اغتيال الحريري، واصرار مصر على تعاون سوريا جديا مع ميليس خشية محاذير اخرى وتقول مصادر ديبلوماسية ان مبارك وغيره من الرؤساء يخشون قرارات دولية جديدة في ضوء عدم تعاون جلي من سوريا وقيود على عمل ميليس في حين ان النظام السوري يمكنه اثبات براءته عبر هذا التحقيق وليس العكس. والى هاتين النقطتين التي من شأن الاولى منهما على الاقل طمأنة الرئيس السوري الى عدم السماح بالنيل من نظامه ثمة نقطة ثالثة تتعلق بالعلاقات اللبنانية – السورية وضرورة عدم التعرض للوضع في لبنان او تقويض الاستقرار فيه لئلا ينعكس ذلك سلبا على سوريا والمنطقة كما في مسألة وقف عبور الشاحنات بين البلدين.

فالتقارير عن تهريب اسلحة الى فصائل فلسطينية راديكالية عبر الحدود السورية الى لبنان اكتسبت صدقيتها بعد معلومات وصلت من مصادر مختلفة الى ممثلي البعثات الديبلوماسية في لبنان وقد تأكد لهذه البعثات كما للحكومة اللبنانية وجود 13 نقطة عبور غير معبدة بين لبنان وسوريا استخدمت لهذه الغاية. وفي ابرز الاستنتاجات ان تسليح هذه الفصائل بأسلحة متوسطة وبعيدة المدى قد يكون الهدف منها تدعيم ورقة من اوراق التفاوض مع سوريا كي تساهم في الحفاظ على استقرار لبنان. لكن حين اجتمع رود - لارسن الى محمود عباس كان ثمة اتفاق على رفع الغطاء السياسي الفلسطيني والعربي عن السلاح الفلسطيني في لبنان مما يؤدي عمليا الى رمي مسؤولية ما تقوم به الفصائل الراديكالية على عاتق سوريا في اي وقت لاحقا، فضلا عن تبعات اخرى لهذا الاتفاق على افرقاء واوضاع في لبنان. انما هذا امر آخر، وقد انتهى اجتماع وزير الخارجية الفرنسي والرئيس المصري الى الخلاصات نفسها المعلنة لجهة الحرص على استقرار النظام السوري لكن بالتزامن مع عدم تقويض الاستقرار في لبنان.

الصورة الداخلية للوضع السياسي في لبنان تبقى مجتزأة رغم كل ما يجري، فما يجري خارجه اهم بكثير.

مصادر
النهار (لبنان)