قبل عام من اليوم وقف مروان حماده امام باب منزله يرتشف ما بقي من فنجان قهوة وعلى اذنه هاتفه النقال يؤكد موعدا على الغداء, استقل سيارته فادار سائقها مفتاح التشغيل لتنفجر بمن فيها، ويعلن «المجهول - المعلوم» البيان الرقم واحد لعصر الاجرام في مرحلة ما بعد التمديد، مفتتحا الحملة المضادة لإسكات الاصوات المعارضة الفاعلة.

قبل عام من اليوم، تماسك مروان حماده وهو يستيقظ بين الغيبوبات المتلاحقة التي هدت جسده، بكى عندما علم باستشهاد مرافقه، ارتاح قليلا رغم جراحه المثخنة عندما اطمأن الى سلامة رفيق دربه وليد جنبلاط، ونصح اليه عندما رآه زائرا بصوت منهك متعب ان يكثف الاجراءات الامنية حوله «لان الجماعة وصلوا الى ادنى درجات الخسة والحقارة»، فبكى جنبلاط بحرقة وهو يرى مروان بين الموت والحياة مهتما به اكثر من اهتمامه بصحته، كفكف دمعه وواجه الصحافيين بهدوء شديد متهكما على اربعة اجهزة امنية ومتسائلا عن دور محتمل لها في الجريمة، وهي الاجهزة التي اوقف مسؤولوها بعد نحو 11 شهرا للاشتباه في مشاركتهم في التخطيط لاغتيال الرئيس رفيق الحريري.

من عملية الى اخرى ومن كرسي متحرك الى عصاة، تجاوز مروان حمادة جسديا لحظة الانفجار، لكن انى لمن قدم نفسه قربانا لمبادئه ان يتجاوز نفسيا وسياسيا ومعنويا لحظة الانفجار, ومثلما كان الفعل قبل عام تدشينا لإجرام مرحلة ما بعد التمديد، كان الفعل نفسه ايضا بالنسبة الى مروان تدشينا لحربه وبكل الوسائل المشروعة ضد النظام الامني اللبناني السوري الذي ما تراجع يوما عن اتهامه بأنه يقف وراء الاغتيالات والتفجيرات في لبنان.

بعد العملية الثانية او الثالثة تعود مروان رؤية رجل يفتح باب جناحه في المستشفى يوميا وفي اوقات متفاوتة، يتقدم اليه بسرعة يرافقه بعض السياسيين والاصدقاء فيما الاطباء يحاولون اللحاق به مسرعين نتيجة عدم علمهم بموعد وصوله، واعتاد على صوت مصاحب للزيارة: «بعدك نايم، قوم بلا كسل، امشي شوي ما اشبك شي، وين الطبيب؟ ليش مدلعينو؟»,,, كان الرجل هو الشهيد رفيق الحريري الذي جعل من زيارة مروان في المستشفى طقسا يوميا لا بد ان يؤديه سواء كان في اجتماع او بعد الغداء او بين لقاءين او حتى خارجا لمناسبة مع زوجته السيدة نازك وابنائه, كان يواسيه ويحمد الله على سلامته ويشجعه على عبور الامتحان بنجاح، وكان مروان يناشده: «ما تغلب حالك انا منيح، انتبه على حالك شو بدك فيني انا ظمتت منها,,, الله يحميك ويطول عمرك هودي الـ (,,,) ما الهن امان بيقتلو القتيل وبيمشو بجنازتو»، وكان الشهيد يضحك ويقول: «بسرعة ورا بعض؟ لها الدرجة؟ انا بقلك انو انت آخر الشهدا الاحياء وما بقى يسترجو يعملوها ,,, بعدين الله كبير ولا اعتراض على حكمو».

حصل الزلزال في 14 فبراير وتقدم مروان حماده صفوف المحاربين من اجل كشف الحقيقة، كانت عصاته التي توكأ عليها مخاطبا جموع ساحة الشهداء راجمة صواريخ في معسكر الحرية، وجسده النحيل المتعب كتيبة مقاتلين، وصوته المتهدج في الجلسة البرلمانية الشهيرة التي طلب فيها من رئيس البرلمان ألا يحذف شيئا من كلمته «لانني كتبتها بالدم لا بالحبر» اعصارا وجدانيا من شهيد شاهد.

«قوم بلا كسل» قالها له الحريري حينما كان محاصرا بالانابيب والمعدات الطبية وخاضعا لوصاية الاطباء، ولم يسمح له الزمان ان يرد له جزءا من تشجيعه المعنوي لأن القدر كان اسرع, سيردها له فعل وفاء واقدام لفك الحصار عن اللبنانيين والوصاية عن ارادتهم، سيتقدم مرحلة ما بعد 14 آذار بالقوة نفسها التي تقدم فيها الى مرحلة ما قبل 14 آذار، يفاوض، يصادم، يكشف، يواجه, البوصلة عنده واضحة وكذلك الثوابت، لا يعطي المتضررين سببا ليعبروا منه مجددا الى ساحة تركوها ولا يريد حتى ان يمنحهم لذة التشفي والشماتة، فكل تنازل وطني داخلي في هذا الاطار مكسب لمعركة السيادة والاستقلال وكل تشدد يفتح جبهات داخلية مكسب لاعداء السيادة والاستقلال, لم يغب عن اي موقع وطني، متصديا للباحثين عن فتنة، مصححا لمواقف حلفاء وابناء صف واحد، متقدما في مشروع المواجهة الذي ارتضاه خطا لم يعد يمكنه ان يحيد عنه الا بتحقيق كامل اهدافه,,, باختصار، صار معالي الوزير مروان حماده «معالي الجمهورية الجديدة».

قبل عام، نجا مروان من محاولة اغتيال ولم ينج الوطن من مخطط الاغتيال، سقط رفيق بحجم وطن ورفاق يمثلون قيما كبيرة في محيطهم الوطني والسياسي والانساني، اكتملت صورة الفرز بين مقاومين لبقاء لبنان ومقاتلين لنحره، وكلما سبقت ابتسامة مروان حضوره في اي موقع وهو المثخن بالجراح من شعر رأسه وحتى اخمص قدميه شعر المقاومون بأن حلم السيادة والاستقلال اقرب من اي وقت مضى.

«امشي شوي ما اشبك شي»، كان الحريري يقولها له يوميا في المستشفى، وها هو الرجل المثخن بجراح الاستقلال يمشي كثيرا بل يعدو الى الامام متجاهلا قدرات جسده.

الله كبير يا مروان,,, الله كبير.

مصادر
الرأي العام (الكويت)