ثنائية شارون والليكود ذهبت هباء منذ أن أعلن عن عملية الاقتلاع، والترحيل. والآن بدأت من بعدها - وانتصاره في مركز الليكود لن يؤدي إلا الى إستدامة آلام المغادرة - عملية فك الارتباط التي لا مناص منها عن بيته السياسي. ورغم كونه هاوياً معروفاً للبيوت (حتى بيته الذي اشتراه في البلدة القديمة والذي لم يزره في السنوات الأخيرة - الأصح أن من يقيم فيه هم جنود حرس الحدود على حساب دافع الضرائب - ما زال بحوزته. ربما من اجل الحصول على تعويضات في المستقبل) يخشى الانتقال الى بيت سياسي جديد.
ولكن رغم أن شارون لم يتلق أمرا صريحا بالرحيل من بيت الليكود، إلا أن بقاءه فيه على الأقل من وجهة نظر الليكوديين الحقيقيين هو أمر موقت وعابر. نصيحة بعض مستشاريه له صحيحة: أترك الليكود الآن لأن نتائج الانتخابات التمهيدية ستكون مغايرة لما تكشف في مركز الليكود. ولكن عندئذ سيكون من المتأخر جدا عليك أن تجد بيتا سياسيا جديدا. مستشارو شارون مُحقون في قولهم: كلما اقترب موعد الانتخابات كلما قل الطلب على عابري الخطوط السياسيين حتى اولئك الذين لديهم سحر فعال على الناخبين من طراز معين.
نشطاء المعسكر البرتقالي الذين زاروا اعضاء مركز الليكود عشية التصويت لم يتفاجأوا من النتائج. ثلثي الاعضاء الذين قابلوهم يعارضون الطريق الذي يقود شارون الليكود فيه، ومع ذلك بعضهم فقط قالوا انهم سيصوتون ضده كما حدث فعلا. بين التعليلات والاسباب من وراء ذلك: ضغوط شديدة خصوصا في موضوع الأرزاق، حيث أن تنحي شارون سيؤدي الى خسارة الحكم، كما انهم لا يعتقدون أن سعي بنيامين نتنياهو الى إخراجه من الليكود الآن صحيح لان ذلك سيمكنه من ترتيب أوضاعه خارجه. واذا كان 48 في المائة من اعضاء المركز قد صوتوا من اجل الحفاظ على طريق الليكود، فهذا انجاز حقيقي وليس ذريعة لبعض السياسيين الهواة.
عندما يتحرك نصف اعضاء مركز الليكود ونسبة أعلى بكثير من اعضاء الحزب بدوافع ايديولوجية صارخة ومن مشاعر الغضب ضد الشخص الذي اقتلع المشروع الاستيطاني ومشاعر الخيانة - ولنوازع سياسية - من المشكوك فيه أن يكون هناك انسان حتى وإن كان قويا مثل شارون قادراً على الاستمرار في قيادة مثل هذا الجسم المتعارض معه وخصوصا فرض الاقتلاع عليه في يهودا والسامرة. من شبه المؤكد ان أياديه ستكون مكلبة حتى موعد الانتخابات التمهيدية، كما يقول أحد نشطاء مركز الليكود. وبعد ذلك، عندما ستنتخب في الليكود كتلة معارضة قبيل الانتخابات العامة يمكن الاستنتاج ان أيام شارون كزعيم لليكود وزعيم قومي ليست طويلة.
لو كان شارون مُعدا بصورة اخرى، ولو كانت لديه بالفعل قدرة على النظر للمدى البعيد - هذه الميزة التي ينسبها اليه أنصاره الجدد - لكان تنحى الآن بعد فوزه في مركز الحزب وهو مكلل بغار اليسار الذي غفر له غالبية خطاياه، واحتفظ بالتقدير الذي يُكنه له الكثير من زعماء العالم، هذا بالاضافة الى أن إسهامه في بناء المشروع الاستيطاني في "يشع" (يهودا والسامرة وغزة) يفوق اقتلاعه لغوش قطيف ويُبقي الكفة راجحة لصالحه في اليمين ايضا.
لدى الشعب اليهودي، كما قال شارون في الامم المتحدة، ذاكرة طويلة. ولكن الذاكرة التاريخية - هذا ما يحدث عندما لا يدرسون التلاميذ التاريخ اليهودي - لم تعد موجودة لدى قسم كبير من الاسرائيليين، خصوصا ليس في المعسكرات التي ينتمي اليها أنصار شارون الجدد.
المعسكر الذي تحتفظ غالبية عناصره بالذاكرة التاريخية وتتصرف وفقا لدروسها يعرف حقيقة الامور ومجراها، وما سيترتب عليها. وعليه اذا واصل شارون، لا قدر الله، عملية الاقتلاع وألحق الدمار بالمشروع الذي ترعرع في أحضانه، فان هذا المعسكر صاحب الذاكرة التاريخية، هذا المعسكر الذي جثم على أنقاض غوش قطيف، لن يغفر وسيحتفظ بذكرى سيئة ملعونة لارييل شارون .

مصادر
صدى البلد (لبنان)