تمر سوريا بعاصفة متلاحقة من التهديدات وممارسات الضغط الاميركية لاستلامها وخضوعها التام للشروط الاميركية التعجيزية، واول هذه الشروط الإمساك بمسؤولية حماية حدودها مع العراق على طول 650 كلم وتحميلها مسؤولية تسلّل المقاتلين عبر هذه الحدود لقتال الجيش الاميركي والقيام بتفجيرات متنقلة داخل بغداد وبلدات عراقية مقاومة اخرى.

هل سوريا من الدول العظمى التي تملك جيوشاً وترسانات كي تتمكن من ضبط الامن على طول الحدود السورية العراقية المذكورة اعلاه وتمنع كل متسلل الى العراق؟ وكانت سوريا قد صرحت مراراً على لسان قيادتها ومسؤوليها انها مع وحدة العراق واستقراره، كما انها ترفض كل اشكال الارهاب والعنف وقتل الابرياء داخل العراق وخارجه.

كما ان سوريا قد لجأت الى تنفيذ الجانب المتعلق بها حول القرار 1559 نزولا عند رغبة القرارات الدولية وتمسكها بها، كما انها استقبلت رئيس لجنة التحقيق الدولية ميليس وجرى التوافق معه على مسودة عمل تحقيقي باشر به مع امنيين سوريين كانوا يمارسون سلطاتهم الامنية داخل لبنان اثناء العملية الاجرامية التي أودت باستشهاد الرئيس الحريري، والتي انعكست ضرراً على سوريا كما على لبنان...

كما ألحّت سوريا على التعاون الكامل أمنياً وقضائياً مع المحقق الدولي ميليس بعيداً عن ضغوط التسيس الخارجي وسلبياته على الملف.
إن تهديدات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية مؤخراً لسوريا بفرض حصار اقتصادي وعزلة دولية وتلويح بخيار عسكري اذا قضت الضرورة ضدها... كل هذا يشير الى المأزق الخطير الذي تتخبط فيه الادارة الاميركية من خلال غرقها في الوحل العراقي، والخسائر العسكرية التي تصيب جنودها يوميا، اضافة الى حركة تململ الشعب الاميركي داخل الولايات الاميركية ومطالبتها بانسحاب الجيش الاميركي السريع من العراق، وسجلت احصائيات لشركة <<دفسا اتلانتك>> ان نسبة 73% من سكان خمس ولايات اميركية هي مع الانسحاب الفوري للجيش الاميركي من العراق، وان نسبة الاصابات من الجنود الاميركيين تتراوح بين 5 الى 10 جنود يومياً بين قتيل او جريح.

ان سوريا لا تستطيع حماية حدود دولة العراق منعا للتسلل، وهي كدولة نامية، نظرا لضعف امكانياتها الاستراتيجية واللوجستية، كما ان الولايات المتحدة الاميركية في المقابل وهي القطب الاول العالمي عسكريا واستراتيجيا فانها لا تستطيع ضبط حدودها مع المكسيك وهي بامتداد 300 كلم لتمنع التهريب والعصابات من التسلل الى داخل أراضيها. كما لم تكشف مخابراتها من س.اي.ايه، والاف.ب.اي سابقا عمليات تفجيرات المركز التجاري وقاعدة البنتاغون التي اودت ب4000 قتيل، ويجب ان تدرك الولايات المتحدة بأن الهجمة الشرسة على سوريا لا تزيدها الا تماسكا وتلاحما داخليا، وان ما تحركه اجهزة المعلومات الاميركية عبر بعض الكتّاب والاعلاميين وبعض الاصوليين لزعزعة الاستقرار داخل سوريا، فانها حرتقات ثبت فشلها في بعض احياء دمشق وحماه والحسكة... وان اي رهان على قلب النظام في سوريا او تطييره فهو من نسج الخيال على المدى القريب..
لقد اخذت سوريا بالاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبدأت تمنح جرعات من الحريات والحقوق للاحزاب والهيئات الثقافية والاقتصادية والانمائية تماشيا مع الانفتاح وحركة السوق العالمية، لكن الخطوات الاصلاحية بطيئة وتحتاج الى عمليات تأهيل وتدريب واكتساب خبرات قد تستغرق وقتا طويلا للتنفيذ العملي والميداني الشاملين...
ما يحزّ في نفس كل عربي ان تجد غالبية الدول العربية تقف في الصف الاميركي في محاولة لزيادة الضغط والتجريح بسوريا في محاولة لاستفرادها واستسلامها طوعياً لكل الإملاءات والشروط الأميركية الاسرائيلية.

انا لا ادافع في كتابتي عن سوريا ونظامها، انما أجد في مناعة الموقف السوري وصلابته مناعة وموقف الرمز العربي الرافض للخنوع والاستسلام.

هناك أخطاء وخلل يضرب أحشاء النظام السوري ويسعى هذا النظام لإصلاح اخطائه وخلله دون وصاية دولية ودون حرب اعلامية مسعورة عليه، وان اهل البيت أدرى بما في داخله، واهل مكة أدرى بشعابها اما في لبنان، بالرغم مما أصاب العلاقات اللبنانية السورية من اضطراب وتصدّع أدّت الى انسحاب سوري، ترك آثاراً سلبية على البلدين تعمل دوائر وسفارات اجنبية على توسيع هوة هذا الاضطراب، والتصدع..

لا بد اليوم من إعادة برمجة العلاقات الاخوية اللبنانية السورية على قواعد عملية وعملانية وفق شروط صحوة سليمة تؤمن منافع البلدين، وترمّم كل الثغرات التي كانت شائبة، وتخلق لدى البلدين مناعة سياسية واقتصادية وامنية تحدّ من غلواء الضغوطات والتهديدات الأميركية الاسرائيلية على البلدين وتحفظ سلامة واستقلال كل منهما...

وان نصائح وتوجيهات السفراء الاجانب المتواصلة في لبنان قد يتغير برنامجها وخط سيرها مع كل طرف او فريق لبناني لزيادة الشرذمة وبث البغضاء بين الشعبين اللبناني والسوري وصولاً الى الفوضى البناءة...

لا أرى خيراً من ابناء بلدي المتواجدين في ولايات اميركية وهم ينسقون مع المحافظين الاميركان الجدد اصحاب القرار الاميركي المفروض على الرئيس بوش ومجموعته المتطرفة والتي تعمل على زعزعة الاستقرار والهدوء في بلدان الشرق الأوسط خدمة لإسرائيل ومشروعها التفتيتي لدول المنطقة، وإذا تمكنت الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض الدول الغربية والعربية من إخضاع سوريا وزرع الفوضى في ربوعها، فإن شظايا الفوضى ستضرب عمق لبنان وتبدّد كل أحلام الوهم التي تتذرع بحياد لبنان وبعده عن التجاذبات الإقليمية والدولية...
ومن المستهجَن والذي يدعو للقلق على المصير هو تغريب قاموس مصطلحاتنا العربية واعتبار مضامينه الجوهرية مثل العروبة والقومية والجهاد والتحرير والدفاع عن الارض والمقدسات بأنها مصطلحات من لغة خشبية جامدة كما يروج لها بعض كتّابنا وإعلاميينا... وهذا خطر فادح، فإذا ألغينا هذه المفاهيم القومية والعربية التي تربّت عليها شعوبنا العربية منذ نعومة اظفارها وكانت قاعدة اساسية للثقافة العربية وحضارة شعوبها، هل نضرب بها عرض الحائط ونتخلى عن كل قيم العنفوان والعزة والكرامة التي نحمل، لنساوم على مصطلحات تروّجها الدوائر الغربية والاميركية كالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وهي مصطلحات نؤمن ونعمل بها كشعوب ضمن حدود الإمكانيات العلمية المتطوّرة والمفاهيم العربية الثابتة في سياق تطوّر المجتمعات وتحسين سلوكياتها لتأمين العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن دون التخلي عن قوميتنا وعروبتنا وقيمنا الإصيلة...

وليس كما تروّج لها دوائر الغرب وأجهزة مخابراته وإعلامه من خلال الإباحية والفوضى السلوكية بعيداً عن الضوابط الخلقية والقيم الموروثة حضارياً...

واخيراً نعلّق الآمال الجسام على الشعبين في سوريا ولبنان وعلى تطلعاتهم المستقبلية وتحديهم لكل ما يحاك ضدهم من مؤامرات شرذمة وتفرقة، وتحديداً اثناء صدور التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية ميليس في 25 تشرين الأول القادم، ومهما تضمّن هذا التقرير من معطيات او اشارات قانونية وقضائية ملزمة محرجة لبعض الرموز او القياديين في كلا البلدين...

مصادر
السفير (لبنان)