لامني أحد القراء بتوقيع (محمد العربي)، بأن بعض كتاباتي تحمل الطابع الصحفي، أي التعليق على الأحداث اليومية التي هي من عمل كتاب الأعمدة اليومية في الصحف، وهذا حسب رأيه المنشور في إيلاف لا يليق بالكتاب والمفكرين، ونصحني بالإبتعاد عن ذلك (حتى يبقى منك شيئا للتاريخ) حسب قوله حرفيا. وهي نصيحة لا أتفق مع (محمد العربي) حولها، فأنا لا تغريني أضواء الصحافة كما يعتقد هو، فقد نشرت في حياتي الكتابية حتى هذه اللحظة تسعة كتب وعشرات الدراسات الأدبية والفكرية، والعديد من المقابلات التلفزيونية، وإذا كان من الشائع أن تصنف ضمن من يطلق عليهم (كتابا) أو (أكاديميين)، هذا لا يعني أن تعيش في جزيرة معزولة بين الكتب والمصادر والمراجع، ولا تهزك أو تؤثر فيك الأحداث اليومية التي تعصف بحياة الإنسان العربي وخاصة في فلسطين والعراق، ويكون شعارك أن الأمر لا يعنيك لأنك مشغول بإنجاز بحث ما. أنا لا أستطيع فعلا أن أكون (شاهد ما شافش حاجة) متفرغا للبحوث الأكاديمية، ولكنني أحاول العمل على الصعيدين البحثي الأكاديمي والصحفي اليومي، بدليل أنه في الأعوام الثلاثة الماضية صدر لي كتابان هما: (سقوط ديكتاتور) و (فلسطينيون في سجون صدام)، وقبل إسبوع صدر لي عن دار الكرمل في عمّان كتابا بعنوان (الإسلام والعنف) وذلك بالمشاركة مع الدكتور خالص جلبي والدكتور زهير المخ، وقبل نهاية هذا العام، سيصدر الجزء الثاني من كتابي (الرواية في الأدب الفلسطيني)، ومن المعروف أن هناك العديد من مشاهير الكتاب العالميين الذين مارسوا الكتابة الصحفية اليومية بجانب كتاباتهم الإبداعية، فالروائي الكولومبي المشهور عالميا (جابريئيل جارسيا ماركيز) مشهور بكتاباته وتحقيقاته الصحفية بنفس شهرته كروائي، والعديد من صحف بلاده تدفع له الكثير ليكتب لها مقالة أو تحقيقا عن موضوع أو حدث ما، ولم يعرف هذا في بلادنا لإنه لم تترجم عربيا سوى رواياته، وكذلك كان الروائي العالمي (إرنست هيمنجواي)، فالكتابة الصحفية عن الحدث اليومي ليس مجالا للنقد، لأن الكاتب والأكاديمي لا يستطيع السكوت على ما يجري من حوله، والساحات العربية تزخر بما يقلق ويدمر حياة المواطن العربي، خاصة ممارسات أنظمته القمعية الإستبدادية، وجماعات الإرهاب الظلامية المتسترة برداء الدين، لذلك لا أستطيع السكوت يا عزيزي (محمد العربي)، فقراري أن أكون شاهدا مزعجا على كافة ما يقع تحت عيني وسمعي من أحداث، لذلك أستأذنك في كتابة هذه الشهادة الحادة والكاشفة لممارسات البعض.

نقلت إيلاف يوم الخميس الماضي الخبر التالي: (أكدت مصادر أمنية لبنانية لإيلاف صحة ما نشرته وسائل إعلام لبنانية عن إتخاذ الجيش اللبناني إحتياطات أمنية في محيط قاعدتين تابعتين للجبهة الشعبية – القيادة العامة في الأراضي اللبنانية، ومعروف أن القيادة العامة تنظيم فلسطيني موال كليا لسورية ويتزعمه أحمد جبريل الضابط السابق في الجيش السوري...وأوضحت المصادر لإيلاف أن السبب الذي دعا الجيش اللبناني إلى إتخاذ الإجراءات التي شملت تطويق القاعدتين وجود عناصر سورية مسلحة فيهما خصوصا في قاعدة الناعمة الواقعة على الطريق بين بيروت وصيدا في جنوب لبنان. وقال أحد السياسيين اللبنانيين: (إن الجيش السوري (نسي) سحب خمسمائة عنصر من الناعمة مفضلا بقاءهم في الأراضي اللبنانية بحجة أنهم مقاتلون تابعون للقيادة العامة ولا علاقة لهم بالقوات النظامية السورية...). وقبل أيام قليلة نقلت وكالات الأنباء الخبر التالي: (أبعدت السلطات اللبنانية إلى داخل سورية ثلاثين عنصرا فلسطينيا مسلحا، تم رصدهم بعد دخولهم من الأراضي السورية إلى منطقة البقاع اللبنانية)...إلى ماذا تؤشر هذه الأنباء الخطيرة؟؟.

نحن الذين نعرف تركيبة الفصائل والمنظمات الفلسطينية عبر معايشتنا لها مايزيد على ربع قرن في لبنان وسورية، ندرك ونقولها بجرأة ودون خوف أو وجل، أن تنظيمات مثل الجبهة الشعبية- القيادة العامة و المنشقين عن فتح (جماعة أبو موسى)، لم تكن لهم يوما ما أجندة فلسطينية خالصة، فهم مجرد أدوات بيد المخابرات السورية، كان وما زال يسيرهم بالريموت كونترول مكتب المخابرات السورية المسؤول عن هذه المنظمات، والمعروف بإسم (الضابطة الفدائية)، ومن المهم ملاحظة المفارقة الدالة في التسمية، ففي سورية مكتب خاص بضبط التهريب بكافة أنواعه إسمه (الضابطة الجمركية)، وبالتالي فهذه التنظيمات الفلسطينية يتم التعامل معها كمواد تهريب لذلك ففرع المخابرات السورية الذي يراقب و يضبط عملها إسمه الرسمي (الضابطة الفدائية). وللتدليل العملي على إتهامنا هذا، نذكّر أن أحمد جبريل كان ضابطا في الجيش السوري، ولما بدأ توالد وتناسخ المنظمات الفلسطينية بعد هزيمة حزيران 1967، إلتحق هو ومجموعة له بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها القوميون العرب برئاسة الدكتور جورج حبش، وكانت إنطلاقتها الأولى من الأردن وقواعدها الأولى في جرش والأغوار الأردنية...ولم يمض على إعلانها عدة شهور، حتى أعلن أحمد جبريل إنشقاقه مطلقا على مجموعته المنشقة إسم (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة)، وبعمله هذا شقّ أسوأ طريق شرذم العمل الفلسطيني، ليصبح حسب التسميات الفلسطينية في (جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية)، مجرد دكاكين وسوبرماركات حسب عدد الأعضاء، فمن هم أقل من مائة (دكان) ومن أكثر من مائتين (سوبر ماركت)، ومن بعده إنشق نايف حواتمه وجماعته عن الجبهة الشعبية معلنين الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومن بعده إنشق طلعت يعقوب عن جماعة أحمد جبريل معلنا (جبهة التحرير الفلسطينية)، ومن بعده إنشق عنه أبو العباس مستخدما نفس الإسم.....وربما مما له دلالة إستعمال الفلسطينيين تسميات مثل (جماعة أحمد جبريل) و (جماعة أبو النوف) و (جماعة أبو موسى)...إلخ الأبوات الذين أصبح عددهم أكثرمن الهم على قلب الفلسطينيين خاصة في سورية ولبنان، وبالتالي فلم يكن أحمد جبريل يوما سوى أداة بيد المخابرات السورية، ومثله (أبو موسى) الذي كان ضابطا في الجيش الأردني أولا ثم إلتحق بحركة فتح، وفي سورية عام 1982 عندما بدأ صراع النظام السوري مع ياسر عرفات بسبب حديثه الدائم عن سكوت الجيش السوري في لبنان أثناء الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 وعدم تقديمه أية مساعدة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية،أوعزت المخابرات السورية لعميليها في فتح (أبو موسى) و (أبو خالد العملة) فأعلنا في عام 1983 إنشقاقهم عن حركة فتح، مطلقين على مجموعتهم (فتح الإنتفاضة)، إنتفاضة على من؟؟ لا ندري سوى أنها أوامر المخابرات السورية لإزعاج عرفات، وأعقب إنشقاقهم طرد ياسر عرفات وخليل الوزير من دمشق، وإغلاق مكاتب فتح، وزج مئات من عناصرها في سجون المخابرات السورية، والعديد منهم مات في تلك السجون والعديد منهم ما زال فيها حتى هذه اللحظة. وقد إرتكبت جماعتا جبريل وأبو موسى عامي 1986 و 1988 ماعرف بحرب المخيمات في لبنان، إرتكبوا فيها بأوامر سورية مذابح ومجازر بحق سكان المخيمات لا تقل مطلقا عن ماجرى في صبرا و شاتيلا على يد القوات اللبنانية. وعندما تسجّل الشهادات الميدانية لسكان المخيمات آنذاك عن هذه المجازر، ودور أحمد جبريل تحديدا فيها، سيعرف الفلسطينيون في كافة المنافي دوره القذر، خاصة قتله شخصيا لعشرات الفلسطينيين بيده، ثم شحنه الآلآف منهم في شاحنات إلى مخيمات الجنوب بذريعة أنهم من أنصار عرفات. وأتذكر أنني كتبت آنذاك وكنت مقيما في دمشق وأعرفهم شخصيا، مقالة في مجلة نضال الشعب التابعة لجبهة النضال الشعبي أو (جماعة سمير غوشة) بتاريخ التاسع من تموز لعام 1988 تحت عنوان (بوركت إنتصاراتكم !!!)، قلت فيها:
(ماهي خسائر شعبكم من القتلى والجرحى ثمنا لهذا الإنتصار؟. ماهي خسائر المخيم المادية بعد قصف وحشي من الثلاثين من أبريل حتى صباح الإقتحام والدخول المبارك في السابع والعشرين من تموز لعام 1988؟. من هو العدو الذي كان في المخيم واستدعى كل هذه الخسائر؟. ماهي خططكم الآن بعد أن أصبحتم القوة العظمى في المخيم؟. هل مقارعة العدو عندكم تبدأ الآن أم يبقى في إستراتيجيتكم تدمير وإقتحام مخيم برج البراجنة ثم الإنتقال إلى مخيمات الجنوب؟. أسئلة بريئة..أسمعونا جوابا واحدا مقنعا عليها، وعندئذ سنهتف ونبرق لكم: بوركت إنتصاراتكم وأطال الله في أعماركم !!).

وبعد نشرها ، إتصل بي أحمد جبريل شخصيا في مكتبي بدار صبرا للدراسات والنشر بدمشق، وأسمعني من الشتائم والتهديدات ما لا يتصورها إنسان، وبعد ذلك وفي التاسع والعشرين من تموز نفسه، طردتني المخابرات السورية من دمشق بتهمة العمالة لياسر عرفات.
واعمال جماعة أبو موسى وأبو خالد العملة بحق الفلسطينيين المناوئين للمخابرات السورية، يندى لها الجبين، وعندما توثق سيعرف الفلسطينيون حجم الجرائم التي إرتكبها عملاء المخابرات السورية هؤلاء بحق شعبهم، وقد كان شبه إسطوانة مشروخة تسمعها المخابرات السورية لكل سجين لديها من حركة فتح عرفات، وهي الإفراج عنه فورا إذا وقع وثيقة يسبّ فيها ويخّون عرفات ويعلن إنضمامه لجماعة أبو موسى.

شريط الذكريات هذا، أود الوصول من خلاله إلى أن الأنباء التي نقلتها وكالات الأنباء من لبنان عن متسللين فلسطينيين إليها وبقاء المئات من عناصر المخابرات السورية في قواعد أحمد جبريل، ليس غريبا على هذه الجماعات المرتبطة قلبا وقالبا بالمخابرات السورية، وهي مستعدة لتنفيذ أية أعمال تخريب و إغتيال لحسابها في لبنان، وعندما يكتشف أو يمسك بواحد منهم فهو عندئذ فلسطيني وليس سوريا، تماما كالشريط الذي زورته المخابرات السورية في جريمة إغتيال رفيق الحريري، بإسم الفلسطيني (أحمد أبو عدس) و ثبت أنه كان مسجونا لدى المخابرات السورية، وتم قتله بعد أن أقنعوه بتسجيل الشريط وتصويره..والسؤال المركزي: لماذا تبقى قواعد عسكرية لجماعة أحمد جبريل في لبنان؟؟. من يعطيهم الحق بوجود سلاح أجنبي على أرض لبنانية؟؟ لماذا لا يستأسدون في داخل سورية وهم الذين كانوا وما زالوا ممنوعين من إطلاق أية رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية؟؟. هذا السلاح لم يستعمل يوما ولن يستعمل من أجل تحرير فلسطين، فهو سلاح بيد زعران يأكلون ويشربون ويفسقون في إنتظار مهمة من المخابرات السورية، لذلك فنزع سلاحهم وإخراجهم من لبنان إلى مقر أسيادهم في دمشق، خدمة للبنان وللفلسطينيين، للبنان كي يتقي شرهم الذي من الممكن حدوثه فور صدور أوامر المخابرات السورية، وخدمة للفلسطينيين كي لا يظلوا ورقة شبهة وإساءة لهم، خاصة أن سلاح المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني مطروح للنقاش، وإذا كان من المقبول الحديث عن أمن وأمان المخيمات قبل الشروع في بحث السلاح فيها، فإن قواعد أحمد جبريل لا علاقة لها بفلسطين ولا بأمن المخيمات، فهي قواعد قريبة من الحدود السورية لمصالح سورية، ونزع سلاحها حتى بالقوة سيجد ترحيبا عند غالبية الفلسطينيين أنفسهم، فهو سلاح الجماعات العميلة التي هدرت دمهم ودمرت مخيماتهم وقتلت الآلآف منهم..وكل ذلك متاجرة بتحرير فلسطين الذي سيأتي من قواعد جماعة أحمد جبريل في البقاع اللبناني... وما نقلته وكالات الأنباء أمس عن أجهزة الأمن اللبناني عن تأكده من أن جماعة أبو موسى قاموا بتهريب سيارتين محملتين بالأسلحة إلى داخل لبنان في اليومين الماضيين...وهل هذا السلاح سيستعمل أيضا في تحرير فلسطين من البقاع اللبناني أم لخدمة مخططات أسيادهم في المخابرات السورية؟؟....ويا فلسطين كم من الجرائم أرتكبت بإسم تحريرك!

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)