اليوم تبدا مفاوضات ضم تركيا الى الوحدة الاوروبية . الجو العام يشير الى ان القضية صعبة ومعقدة . و بين الخطين : المتشدد في رفض الضم والمتشدد في الدعوة اليه ، تقف النمسا موقفا وسطا ، مدروسا ومبرمجا ، ربما بالتوافق مع الجميع . النمسا تطرح بديل الشريك ذي الافضلية ، مما يعني عمليا تمتع انقره بجميع حقوق اعضاء المجموعة الاوروبية الاخرين ، ما عدا الوحدة السياسية . فماذا يعني هذا الطرح ؟ وما هي انعكاسات غلبة أي من التيارات الثلاثة والاهم اين تقع مصلحتنا نحن العرب في كل ذلك؟ الجمهور الاوروبي لا يخفي رفضه لانضمام تركيا ، ولكل اسبابه : المتمسكون بمسيحية اوروبا يرفضون فتح الحدود مع بلد مسلم بحجم تركيا ، والعلمانيون الذين لا يهتمون لذلك يرفضون ان تصبح اوروبا على تماس حدودي مباشر مع العراق وسوريا وايران ، واللوبي الارمني يريد استغلال العملية لجر اسطمبول الى الاعتراف بمسؤوليتها عن مجازر الارمن ، مع ما يستتبعه ذلك من تعويضات مادية قد تصل المطالبة باراضي مما يسمونه ارمينيا التاريخية .كذلك فان اللوبي القبرصي ووراءه اليونان يصرون على ضرورة اعتراف تركيا بالجمهورية القبرصية ، وهم في ذلك مدعومون بمنطق صلب : فكيف تريد تركيا الانضمام الى مجموعة لا تعترف باحدى دولها ؟ واخيرا هناك الاكراد وتجمعاتهم في اوروبا ، يضغطون بكل ما اوتوا من علاقات كي لا يحصل الانضمام الا بعد الاعتراف بحقوق الاقليات ، والالتزام الكامل بمبادىء حقوق الانسان .

بشكل مواز لكل هؤلاء ، وربما بضمير مستتر وراء كل هؤلاء ، يسري الموقف الاميركي والاسرائيلي محركا القوى التابعة له في اوروبا. ومصلحة كل من هذين اكبر من تسمح له بالاهمال : فرهان الولايات المتحدة على تركيا ، خاصة موقعها الجيوستراتيجي هو رهان جوهري في منطقة الشرق الاوسط . ولن تهددها الخسارة اذا ما اصبحت تركيا الاطلسية عضوا في اوروبا اطلسية تابعة للولايات المتحدة الاميركية مندرجة في ستراتيجيتها . لكن الخطر يصبح محتوما اذا ما اندمجت تركيا في وحدة اوروبية تنتهج سياسة الاستقلالية عن الولايات المتحدة . وبما ان هذا الامر هو مستبعد في الوقت الحالي ، لكنه غير مستبعد على المدى البعيد ، فان الحل الامثل لواشنطن واتباعها هو تمديد المفاوضات لسنين طويلة ، او الدخول في حالة وسطية غائمة عائمة ، الى ان تنجلي الامور. اما اسرائيل فان لها مصلحة في دخول تركيا التي ترتبط معها بمعاهدة تعاون ستراتيجي الى الدائرة الاوروبية ، لكنها تخشى ايضا من اية انقلابات في السياسة التركية كما حصل في بعض الفترات السابقة . غير ان العلمانية المطلوبة اوروبيا قد تساعد في ابعاد شبح الانقلابات المذكورة . من جهة اخرى يأتي توسع اوروبا باتجاه الشرق الاوسط ، واحتضانها لدولة غير مسيحية الثقافة ، ليعزز من فرص انضمام الدولة اليهودية الى القارة الموحدة ، وتمتعها بالحماية الاوروبية اكثر فاكثر . مما يشكل رديفا للحماية الاميركية ، وبديلا عنها في حال انهيار الامبراطورية يوما ما .

والنتيجة ان تركيا تدق بالحاح مستميت على باب اوروبا ، وخلف هذا الباب يقف الجميع حاملين صحونهم لغرف مكاسب خاصة من العرس المطلوب ، الا نحن العرب الذين لديهم الكثير مما يساومون عليه في هذه اللعبة ، واقله الجاليات العربية في اوروبا .

مصادر
الدستور (الأردن)