كتاب جيف سيمونز "عراق المستقبل" أصدرته بترجمة عربية دار الساقي في بيروت، والكاتب خبير في قضايا الشرق الأوسط وإيران والخليج وله مؤلفات عديدة في هذا المجال، حيث نقرأ ـ فيما يحدث الآن في العراق ـ أنه لا يمكن التكهن بمستقبل العراق، شأنه في ذلك شأن اي دولة اخرى، كما لايمكن استكشافه بحساب بسيط فـ"إن القوة الفاعلة التي تصوغ العالم الحديث هي باختصار: القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأميركية، الغضب المتصاعد في العالم الاسلامي الواقع في قبضة الاستبداد والاستغلال. والتوترات القائمة بين الديانات والحضارات. العولمة الآخذة في التوسع في التجارة والتكنولوجيا، وأممية تضامنية متفاقمة للشعوب المضطهدة في كل أنحاء العالم، وهنا من المحتم أن يستفز العدوان الأميركي على العراق رداً، ليس في المجموعة الاسلامية فقط، بل في العالم الاوسع أيضاً. ومن المستبعد أن يستند نظام حكم ما بعد صدام في بغداد الى النموذج الديموقراطي الغربي، كما لا يتوقع أن يرضى المتدينون الشيعة وغيرهم عن ظهور دولة علمانية جديدة في العراق، وقد يتحوّل العراق الى فيدرالية فضفاضة ولكنها ستكون فيدرالية يهدد فيها تأثير الشريعة المفهوم الغربي لحقوق الانسان بما في ذلك تحرر المرأة، وقد لا يرى الشعب العراقي من هذا المنظور أي فائدة اجتماعية من سقوط صدام، خصوصاً، إذا ظهر نظام استبدادي جديد لا يقل قسوة عن النظام البعثي السابق.

ومن ناحية ثانية سنرى اسرائيل الراضية عن عسكرتها الهائلة بما في ذلك امتلاكها الكثير من أسلحة الدمار الشامل، تواصل التودد الى حاميها الأميركي الكبير، وستتشجع من جرّاء استمرار احتلال الولايات المتحدة لأجزاء من العراق، لكي تتوسع هي في احتلالها غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، ومن هذا المنطلق، كما هو الأمر بالنسبة الى كافة الأعذار الواهية الأخرى عن عملية السلام أو ما يسمى خارطة الطريق الى السلام، فلن تكون هناك أي نتائج تستحق الذكر.
وبالاشارة الى غزو العراق يقول الكاتب: "لقد كانت هذه الحرب غير شرعية، فضلاً عن كونها مكلفة الى درجة معيبة، وهو رأي تبنته الأغلبية الساحقة من المحامين الدوليين الذين نظروا في هذه القضية، ويكفي هنا ما قاله أستاذ القانون في كلية الحقوق التابعة لجامعة يوتا (hatU) الاختصاصي إد فيرماج: "إن الرئيس بوش يقود هذه البلاد الى حرب هي في آن واحد غير دستوية وانتهاك صارخ للقانون الدولي. وتتعدى على حقوقنا المدنية الخاصة بنا، وتهدد أمننا القومي بانتهاكها معايير المنطق السليم: أولاً، تنتهك هذه الحرب دستور الولايات المتحدة، ثانياً، إن القانون الدولي، بما فيه العديد من المعاهدات التي تنتمي إليها وأصبحت جزءاً من القانون الداخلي بحكم فقرة الأسبقية من الدستور. يمنعنا من شن حرب عدوانية، فنحن لم نهاجم من جانب عراق صدام حسين. وقال روبرت جاكسون: ان حرب بوش تنتهك القانون الدولي وتشكل جريمة حرب. وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قد أعلن أنه من دون الحصول على قرار بالموافقة من مجلس الأمن سيكون العمل العسكري ضد العراق غير شرعي، وأعرب المحامي البريطاني المختص دولياً في قضايا حقوق الانسان ستيفن سولي مشيراً الى الجنود البريطانيين عن خشيته من أنهم "سيعاقبون كمجرمي حرب، ولن يقبل دفاع من يقول أنه كان ينفذ الأوامر فقط".

ويشير الكاتب الى أن الحرب قد أدت الى مفاقمة التوترات القائمة في العراق وهي نتيجة كان يمكن توقعها من دون صعوبة، فأصبحت مجموعات الأقلية السنية التي كانت مرتبطة بنظام صدام حسين معرضة للتهديد. وراح الشيعة يتقاتلون في ما بينهم، ولم يتمكن أكراد الشمال من حل توازنهم مع تركيا، في حين كان زعماء القبائل والعشائر يعملون جاهدين تحت سطح المجتمع العراقي لانتزاع السلطة، ووقف الوجود العسكري الأميركي، وهو وجود يتسم بالقسوة وانعدام الفهم في وسط هذا الغليان. وزادت هذه الحرب لهيب التوترات في المنطقة بأسرها، فراحت الصواريخ تتساقط على القوات الأميركية في أفغانستان، وغرق المواطن في الشارع العربي في لجة من الارتباك؛ والقنوط. وساد اعتقاد واسع بأن العدوان على العراق لن يكون النهاية، فقد كانت إيران وسوريا على لائحة أهداف واشنطن، وتدمير أي من البلدين سيفرح إسرائيل.

وختاماً قدم جون كيزلنغ ـ وهو ديبلوماسي محترف رفيع المرتبة خدم في عهد أربعة رؤساء في السفارات الأميركية ـ استقالته احتجاجاً عل التصرّف الأميركي تجاه العراق، وتضمنت استقالته الكلمات التالية: "إن السياسات التي يطلب منا الترويج لها لا تتفق، ليس فقط مع القيم الأميركية، بل مع المصالح الأميركية أيضاً، إن سعينا المحموم الى الحرب مع العراق يجعلنا نبدد الشرعية الدولية التي كانت أقوى أسلحة أميركا في الدفاع والهجوم منذ أيام الرئيس دودرو ويلسون، لقد بدأنا في تفكيك شبكة العلاقات الدولية الأوسع والأعظم فعالية التي عرفها العالم.

مصادر
المستقبل (لبنان)