<<أصبح لدينا الآن نظام مصرفي، ولن يضطر السوريون الى التوجه الى لبنان للقيام بعملياتهم المصرفية>>.

<<لدينا حرية تجارة، فلن يذهب السوريون لشراء السلع من لبنان لأنها متوفرة عندنا>>.

<<... وكذلك نحن لدينا شركات تأمين>>.

<<لدينا الآن مشاريع استثمارية بمليارات الدولارات ونبحث عن قوة عمل سورية لتشغيلها... لذلك فلا حاجة لقوة العمل السورية أن تذهب الى لبنان>>.

هذه العبارات كلّها أدلى بها، في تصريح واحد، السيّد عبد الله الدردري، نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية. إذاً، العلاقات اللبنانية السورية بألف خير. كلّ ما يتوجّب القيام به هو أن يبقى كل من الشعبين الشقيقين في مكانه، وألا يحاول، تحت أيّة ذريعة اقتصاديّة أو غير اقتصاديّة، أن يعبر إلى الضفة الأخرى.
يوافق رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحّود على كون العلاقات اللبنانية السورية بألف خير. لكنه يختار طريقة أخرى لإعلان ذلك. قرّر، كعادته، أن يغمض عينيه عمّا يراه الجميع، فأعلن بكلّ بساطة أن <<العلاقات اللبنانية السورية كانت وستبقى علاقات نموذجية بين دولتين شقيقتين وجارتين>>.

يختصر هذان الموقفان المساعي الخلاقة ل<<تطبيع>> العلاقات بين البلدين: إمّا العزلة، وإمّا الأخوّة المتصنّعة التي تُخفي خلفها ألف حكاية وحكاية. وللمرّة الأولى، فإنّ سيل هذه الحكايات بات يأتي من المناطق التي تكثّفت فيها معاني الأخوّة في السنوات السابقة، أي البقاع وعكّار. فمن هاتين البقعتين، تنتشر أخبار قتل يقوم بها مواطنون عبر الحدود، صراعات على الملكيّة، دعوات إلى ترسيم الحدود، إبعاد عمّال لا يملكون بطاقات عبور، بالإضافة إلى استمرار <<تهريب>> البشر والسلع، وربّما الأسلحة.

تحصل معالجة للأمور من قبل المعنيّين بالأمر. ولكلّ معالجة ضحاياها الجاهزة. فتقوم قوى الأمن اللبناني بطرد العمّال السوريين ب<<الكارت الأحمر>> (بطاقات العبور)، فيما تنفي رئاسة الوزراء السورية حاجة عمّالها إلى العمل في لبنان أصلاً. وهكذا يدفع العمّال السوريّون ثمن الانسحاب السوري من لبنان، تماماً كما دفعوا سابقاً ثمن الوجود السوري في لبنان. فاللبنانيّون الذين كانوا يقدّمون فروض الطاعة في عنجر، ويعودون منها بروايات عن حكمة القيادة السورية وحنكتها وصمودها، كانوا يعوّضون الذلّ الذي يصيبهم بتحميله مضاعفاً إلى العامل السوري. واللبنانيّون الذين كانوا يجاهرون باعتراضاتهم على <<الهيمنة>> السورية، كانوا بين أكثر المستفيدين من العمالة السورية التي أمعنوا في استغلالها وفي استخدامها لتفريغ أبشع ما لديهم من مشاعر العنصرية التي ما زالت شعاراتها ماكثة على بعض جدران وسط بيروت. الخشية أن تجد هذه العنصريّة لها اليوم قنوات شرعيّة بحجّة... تطبيق القوانين.

نائب رئيس الوزراء السوري الذي دعا عمّال بلاده إلى عدم الذهاب إلى لبنان، وَعَدهم بالتعويض عليهم عبر <<تحرير>> الاقتصاد السوري. ذلك <<التحرير>> الذي كثيراً ما يؤدّي إلى تحسّن مؤشرات اقتصادية مصحوبة بسياسات لا تصبّ حتماً في مصلحة العمّال. حبّذا لو لم يُقحم السيّد الدردري العمّال السوريّين في حديثه. فمصلحة العامل السوري في لبنان لم تكن يوماً من أولويات النظام السوري. كان يتمّ التعاطي معه كعبء يُزاح إلى بلد آخر، بصرف النظر عن أيّة شروط عمل وحياة يخضع لها في لبنان. فإذا كان الشعبان اللبناني والسوري قد تعرّضا لقمع نظام واحد، فإنّ العامل السوري في لبنان قد تعرّض لقمع مُزدَوج على يد النظام، وأيدي مستخدميه من اللبنانيّين.

ثمّة إيجابيّة في كلّ ما يحصل. إنّها من المرّات النادرة التي تتصدّر فيها مناطق مهمّشة كعكار وقرى البقاع النائية نشرات الأخبار. وحين حصل ذلك، كان العامل السوريّ شريكها في موقع الصدارة.

مصادر
السفير (لبنان)