لا احد يعرف منذ الآن مضمون التقرير الذي قد يكون بدأ في كتابته رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي حصل قبل سبعة اشهر وبضعة اسابيع. وعدم المعرفة هذا لا يقتصر على اللبنانيين وتحديدا الرسميين منهم بل يشمل اليهم البعثات الديبلوماسية العاملة في لبنان من عربية واجنبية ولاسيما التي لدولها ادوار اساسية وفاعلة سواء في لبنان او في المنطقة او في العالم. لكن ما يعرفه، العارفون من هؤلاء، هو ان التقرير سينجز في التاريخ الذي حدده رئيس اللجنة المذكورة ديتليف ميليس اي في الثلث الثالث من تشرين الاول المقبل وسيسلم الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي يفترض ان يرفعه الى مجلس الامن في الوقت الذي يعتقده مناسبا وبعد مشاورات متنوعة يجريها مع اعضائه ومع عدد من القوى الاقليمية والعربية الفاعلة. وما يعرفه هؤلاء ايضا ان عدم انهاء لجنة التحقيق مهمتها الا في 15 كانون الاول المقبل اي بعد نحو شهرين من انجاز التقرير وتسليمه الى الجهات الدولية التي طلبت اجراءه لا علاقة مباشرة له بالتقرير الذي يكون ساعتها قد اصبح نهائيا. وقد يكون السبب الاساسي له هو مساعدة الدولة اللبنانية او بالاحرى القضاء اللبناني على التعامل مع محتوى التقرير في ضوء الظروف الصعبة التي يعيشها والتي تعيشها معه البلاد. وما يعرفه هؤلاء اخيرا او ما يرجحونه هو ان يقرر مجلس الامن بعد درسه تقرير لجنة التحقيق امرين. الاول، عدم قدرة القضاء اللبناني على الانطلاق من التقرير لاستكمال كل الخطوات الضرورية للاعداد للمحاكمة ليس بسبب النقص في كفاءات العاملين فيه والمنتسبين اليه وهي كثيرة بل بسبب عدم توافر الامن والامان اللذين يسمحان لرجال القضاء بالعمل في حرية وباستلهام القوانين المعنية بدلا من استلهام التهديدات المحتمل ان يتعرضوا لها. ولعل المحاولة الفاشلة لاغتيال قاضي التحقيق في ملف "بنك المدينة" وملفات اخرى ناظم الخوري تشكل دليلا بارزا على عدم قدرة القضاء اللبناني وحده على التصدي القانوني لجريمة العصر. اما الامر الثاني، فهو تأليف محكمة دولية تتولى قضائيا متابعة ملف هذه الجريمة. ويرجح ان تكون مختلطة بمعنى ان تضم لبنانيين. لكن مركزها سيكون خارج لبنان بغية توفير ظروف العمل الطبيعي لاعضائها.

اذا كان لا احد يعرف مضمون تقرير لجنة التحقيق الدولية فهل يعرف احد تداعيات انجاز هذا التقرير ومضاعفاتها وخصوصا بعد كشفه امام الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي او على الاقل بعد كشف قسم منه باعتبار ان اعطاءه طابع السرية ولامد طويل مستحيل لاعتبارات كثيرة معروفة؟

قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من الاشارة الى وجود نوعين من التوقعات حيال هذا الموضوع في اوساط اللبنانيين. يعتبر النوع الاول ان مرحلة ما قبل انتهاء التقرير ثم بدء المحاكمة او المحاكمات هي التي ستشهد (وقد شهدت) اعمالا اجرامية كثيرة مزعزعة الاستقرار ربما بغية التأثير على التحقيق او صرفه عن مساره او ربما وقفه، على صعوبة ذلك. ويعتبر النوع الثاني ان التداعيات والمضاعفات الحقيقية للتقرير ستقع بعد انجازه ورفعه الى مجلس الامن بواسطة الامين العام للامم المتحدة وكذلك بعد انكشاف مضمونه او بعض هذا المضمون للرأي العام على تنوعه. وقبل الجواب عنه ايضا لا بد من الاشارة الى ان المسار الظاهري للتحقيق الذي يكاد ان يختمه ميليس مع التوقيفات التي تخللته ومع التسريبات المقصودة او غير المقصودة عن مجرياته ومع التعليقات عليه من كل الاطراف السياسيين في البلاد على تناقضهم في المواقف والمواقع محليا واقليميا، لا بد من الاشارة الى ان كل ذلك كون اجواء سياسية وغير سياسية تشير الى مسؤولية ما لحلفاء سوريا عن الجريمة الخاضعة للتحقيق وربما لسوريا نفسها. ويبدو ذلك جليا وواضحا من اتهام الفريق الذي استهدف بالجريمة ما سماه "النظام الامني اللبناني-السوري المشترك" بالمسؤولية عنها ويبدو جليا ايضا من رفض حلفاء سوريا وسوريا نفسها كل الاتهامات المشار اليها ومن مواجهتهم المتنوعة لها.

اما في ما يختص بالجواب عن السؤال المطروح اعلاه فان معلومات اكثر من جهة ديبلوماسية غير لبنانية تنطوي على الآتي:

- تلقت الجهات الديبلوماسية معلومات عن تهريب اسلحة متنوعة وبكميات مهمة الى جهات فلسطينية في لبنان وبواسطة جهات فلسطينية. تداول المعنيون من الجهات المذكورة في ما بينهم هذه المعلومة وقرروا التحقق منها باتصالات مع جهات رسمية لبنانية، وتحققوا اذ ان ما سمعوه من الاخيرة اشار الى تهريب جرى او يجري عبر 13 نقطة حدودية مع سوريا. واعتبروا ان ذلك قد يستعمل بعد اعلان نتائج التحقيق وخصوصا اذا اشار الى سوريا مباشرة او مداورة. واعتبروا ايضا ان الهدف من الاستعمال قد لا يكون الانتقام او التخريب بمقدار ما هو اقناع اللبنانيين والمجتمع الدولي بان سوريا لا تزال الاقدر على نزع سلاح الفلسطينيين وغيرهم في لبنان.

- قرار السلطة اللبنانية وربما بموافقة اقليمية ودولية كشف حقيقة تهريب السلاح امام الرأي العام اللبناني والخارجي اعتقادا منها ان ذلك قد يدفع المخططين الى الامتناع عن تنفيذ مخططاتهم.

- اتخاذ السلطات اللبنانية المتخصصة اجراءات ووضعها خططا للحؤول دون تنفيذ ما يخطط له وخصوصا في العاصمة بيروت.

- تأكيد المجتمع الدولي للجميع في لبنان وللمعنيين به من خارج ان ما حصل في لبنان في 26 نيسان الماضي لا عودة عنه ايا تكن المغريات والضغوطات.

هل يتجرع لبنان كأس الارهاب الواسع من جديد او بالاحرى كأس ضرب الاستقرار الامني فالسياسي علما ان الاثنين صارا مثل بعضهما من حيث الهشاشة والضعف؟

لا احد يعرف. لكن اللبنانيين يتمنون ان يتعاون كل اللبنانيين ومن كل الاتجاهات السياسية على تناقضها لتقطيع مرحلة التحقيق فالمحاكمة من دون خضات داخلية. ذلك ان الخضات لن تعيد وضعا سابقا لم يعد عليه اجماع داخلي وخارجي او بالاحرى لم تعد معه غالبية. والخضات او الرد عليها بخضات لن تحقق وحدها على الاقل طموحات التغيير في الداخل والخارج. ما ستفعله سيكون فقط تخريباً للبنان الذي لم يعد يحتمل تخريباً.

كذلك يتمنى اللبنانيون ايضا ان يترك التحقيق يأخذ مجراه والمحاكمة باعتبار ان كل متهم بريء حتى تثبت ادانته ويتمنون في الوقت نفسه ان يتصرف ممثلوهم وقادتهم واحزابهم ومراجعهم من سياسية ودينية انطلاقا من كونهم "ام الصبي" كما يقال. لان تصرفهم بخلاف ذلك سيقضي حتما على "الصبي" وسيأخذ في طريقه كل من لم يعمل جاهدا للمحافظة عليه.

مصادر
النهار (لبنان)