يبدو ان الولايات المتحدة لها أجندتها بالنسبة لسوريا، خاصة بعد احتلال العراق. وتجدر الاشارة الى ان سوريا لم تكن علاقتها حميمة مع الولايات المتحدة أصلاً، ولكنها تلاقت مصالحها معها في بعض الأزمات، خصوصاً الأزمة اللبنانية قبل سنوات، ودخول الجيش السوري الى لبنان بضوء أمريكي وعباءة عربية. وحتى في ما يتعلق باتفاق الطائف الذي ينص على خروج القوات السورية من لبنان وكذلك إلغاء الطائفية فيه والذي بدا وكأنه تغيير في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه سوريا، فقد غضت الطرف عن بقاء القوات السورية في لبنان، ولم تثر الموضوع إلا مؤخراً. فلماذا أعطت الضوء الأخضر في وقت من الأوقات لدخول القوات السورية الى لبنان؟ ولماذا غضت الطرف عن بقائها في لبنان لحقبة ليست قصيرة بعد اتفاق الطائف الذي تم بإرادة أمريكية وعباءة عربية أيضاً؟

ثم جاءت قضية احتلال العراق للكويت، وإطلاق الولايات المتحدة لعاصفة الصحراء، وقد دخلت سوريا في هذه العاصفة. ربما تجنباً لأي عاصفة ضدها، ولكنها تلاقت مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة او تقاطعت معها. فقد كان العداء بين شقي الحزب الواحد عداء مستحكماً. لكن منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق، او ربما في الفترة التي كان يتم فيها التهيئة لاحتلاله، بدأت الولايات المتحدة تضع سوريا ضمن أولويات استراتيجيتها في المنطقة. وقد كان السقوط السريع للنظام العراقي، مسألة فتحت شهية الولايات المتحدة على سوريا بصورة خاصة. غير ان العنف الذي تدور رحاه على الساحة العراقية، جعل الولايات المتحدة تدور مع رحى العنف في العراق وشغلها ذلك الى حد ما. غير انها اتخذت حتى من رحى العنف الطاحنة في العراق، ركيزة للضغط على سوريا على اعتبار انها لم تمنع المتسللين عبر الحدود، وانها تؤوي بعض المقاومين، او بعض عناصر النظام العراقي المنهار. ويبدو ان الولايات المتحدة كانت تنتظر من سوريا ان تدخل الى جانبها في حرب على العراق، كما فعلت إبان احتلال العراق للكويت وانضوت تحت مظلة الولايات المتحدة.

ربما قال قائل إن سوريا لم تؤد دور النظام الباكستاني في الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في الحرب على أفغانستان، وانها أخطأت في حساباتها. والمسألة ليست مسألة خطأ في الحسابات فحسب، فقد قيل ان تركيا قد أخطأت في حساباتها بالنسبة لموقفها الذي اتخذته بعدم مرور القوات الأمريكية عبر أراضيها لاحتلال العراق. ولكن شتان بين سوريا وتركيا في حسابات الولايات المتحدة. فتركيا حليف قوي للولايات المتحدة وعلى أراضيها قاعدة عسكرية او قواعد عسكرية لها، وهي على علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني. وهنا مفصل من مفاصل الأزمة بين الولايات المتحدة وسوريا. إذ ان سوريا، ومن خلال هيمنتها السابقة على لبنان، لم توقع صلحاً مع الكيان الصهيوني وكذلك لبنان. ورغم ان سوريا تتوق للسلام، وقد دخلت في مفاوضات مع الكيان الصهيوني تحت مظلة امريكية، فإن المفاوضات لم تفض الى توقيع معاهدة سلام. ومع ان الحدود السورية الصهيونية هادئة على مدى عقود اجمالاً، وإن كانت ساحة الجنوب اللبناني هي التي شهدت المواجهات، فإن بقاء سوريا ومعها لبنان خارج اطار معاهدات السلام مع الكيان الصهيوني، أثر سلباً في علاقتها بالولايات المتحدة، يضاف الى ذلك علاقتها الحميمة مع ايران والزعم بأنها تساعد حزب الله.

فهل هدف الولايات المتحدة بعد خروج الجيش السوري من لبنان يرمي الى ادخال لبنان في معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني؟ وهل هدف الولايات المتحدة فرض عزلة على سوريا؟ وهل من بين أهدافها اصلاح النظام السوري والتبشير بالديمقراطية بما تشمله من حريات وحقوق للانسان؟

قد تكون كل هذه الأهداف حاضرة في أجندة الولايات المتحدة تجاه سوريا حتى لو التزمت سوريا الصمت تجاه الاعتداءات الصهيونية عليها، وحتى لو ظلت الحدود بينها وبين الكيان الصهيوني هادئة تماماً. وإذا كان الهدف المحوري المعلن عنه هو تحقيق الديمقراطية في سوريا، فإن هذا المطلب مطلب شعبي فيها وفي الأقطار العربية اجمالاً، ولا يحتاج الى تبشير امريكي، او احتلال أمريكي لفرضه وفق الهوى الأمريكي.

وتبقى الجغرافيا، ووجود سوريا الى جوار الكيان الصهيوني، مسألة محفزة للولايات المتحدة للضغط عليها واخضاعها، وربما احتلالها.. لو سارت الرياح وفق هوى سفنها، ويبدو ان سوريا ستظل تحت العاصفة الأمريكية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)