توافق قرار فصل عدد من القضاة مع ضجة إعلامية كبيرة ضمن وسائل الإعلام المختلفة، ومن بينها شبكة الانترنت، التي تناولت الحدث بشكل منوع ترافقاً مع العديد من التعليقات المؤيدة للموضوع كخطوة أولى جادة في سبيل القضاء على الفساد.
لكن المراقبين والمتابعين المهتمين كانت لهم وجهات نظر مختلفة نسبياً، فمع كونهم مؤيدين لمبدأ محاربة وإنهاء الفساد المستشري ضمن أجهزة الدولة والحكم كافة، إلا أنهم يؤكدون على مبدأ " القانون فوق الجميع “. كما كان للشارع السوري عموماً وجهات نظر متباينة حول ذات الموضوع.

أحاول هنا تقديم خلاصة ل " كلام الناس “ وما يتم تداوله من أفكار، مع التنويه هنا إلى المداخلة التي شارك بها الأستاذ "شماس " ضمن موقع سيريا نيوز، الذي أورد فيه صراحة مخالفة تسريح القضاة وبالطريقة التي تم بها، لأحكام الدستور.

يقول البعض، أن "شطف الدرج يبدأ من الأعلى " فلا يجب العمل بردود الأفعال العاطفية أو إعطاء الحكم بصورة سريعة لأن الأمور بنتائجها ليس بقراراتها، مستشهدين في ذلك بالعديد من القرارات والمراسيم التي نالت ضجة إعلامية كبيرة ثم تبين العكس وبأنها بحاجة للكثير من التعديل.

ويقول البعض كذلك أن الموضوع يحمل العديد من إشارات الاستفهام التي تحتاج إلى توضيح، ومنها أن الجسم القضائي هو الهيئة العاملة بتطبيق القانون والدفاع عن القانون، وما حصل ينافي القانون والدستور، وبخاصة قانون العاملين الموحد والذي أعاده السيد الرئيس بالذات إلى مجلس الشعب رافضاً فيه تسريح أي عامل، مطلق عامل، دون تعليل وبيان الأسباب صراحة، ورافضاً فيه كذلك عدم جواز رفض الطعن أو رفض نقض القرار، معطياً الحق كله للعامل المسرح من عمله – وظيفته – بالطعن بالقرار أمام القضاء. فكيف بهذا الإجراء ؟؟؟؟ وكيف بالقاضي المشمول ضمن أحكام قانون العاملين الموحد ؟؟

ويقول البعض أيضاً أنه كيف لعموم المواطنين، أو للقضاة الآخرين، التأكد من صدقية التعامل دون فتح للملفات وتوضيح ماهية أسباب الصرف ؟ وأنه من الحق لعموم المواطنين، الذين فقدوا بغالبيتهم الثقة بالحكومات المتعاقبة، التساؤل عن الصدق من عدمه فيما يتعلق بالقضاة المفصولين، وعن ماهية الأسباب، ذلك بما أن الفصل تم دون توضيح للأسباب ودون إعطاء الحق بالطعن أو تقديم تظلم أو ما إلى هنالك من إجراءات قانونية تتعلق بمن يعتبر نفسه مظلوماً، وكيف لعموم المواطنين التأكد من صدق الاتهامات ومن سيادة القانون وتفعيل دوره الصحيح وتأكيده كسلطة مستقلة من دون نشر الأسماء والأسباب من جانب ودون إعطاء الحق القانوني للمفصولين، كمواطنين عاملين لدى الجهات الحكومية المشمولين بقانون العاملين الموحد، بالطعن في القرار من جانب آخر.
كما يتساءل العديد عن الأسباب الموجبة لفصل الأسماء المذكورة دون غيالقضائي،هل أن إصلاح الجسم القضائي يتحقق بفصل /81/ قاضياً ؟؟ وهل أن التحقيقات أظهرت أن أولئك المفصولين هم السبب في فساد الجسم القضائي، بمعنى هل هم رؤوس الفساد في القضاء ؟؟

ويتندر البعض من الخبثاء بأن الموضوع لا يكفي، بل من المفروض الاستمرار بالفصل والتسريح التعسفي بذات الطريقة للأجهزة العائدة لوزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي المسؤولة عن تطبيق القوانين، ومن " فوق إلى تحت " ذلك بما أن الباب قد " انفتح " وأنه قد تم البدء بحملة التطهير من الفساد والفاسدين والمفسدين. ويتساءلون كذلك عن النافذين المتدخلين في القضاء والأحكام القضائية وعن إمكانية تطبيق المفعول الرجعي لقوانين محاربة الفساد في الجسم القضائي وغيره من المتدخلين والمتنفذين.

لكن الأخبث من الخبثاء يتندرون قائلين بأن إن إعادة الثقة بين المواطن والحكومة لا تتطلب مثل هكذا إجراءات بقدر ما تتطلب الصدق والصراحة في التعامل، ذلك ما أطلق عليه السيد الرئيس بشار الأسد تعبير " الشفافية “، الذي أفرغه الكثير من مضمونه سواء بالمحاضرات الثقافية عن الشفافية ومضمونها ومعناها أو بالتغني بها في الخطابات الرسمية.. فالعمل بمبدأ الشفافية يحتاج أولا من الجسم الوظيفي العامل الخاضع لقانون العاملين الموحد من أعلى رتبة وظيفية – رئيس مجلس الوزراء – إلى أصغرها، يحتاج إلى صدق وصراحة مع الذات أولاً، فمن يكون صادقاً مع ذاته يكون صادقاً أمام غيره.
ويقولون أن إعادة الثقة تتطلب الفصل ما بين الخصم والحكم، فلا يحق للسلطة التنفيذية – وزير العدل ( مطلق وزير عدل كان) – التدخل في عمل القضاء، وأن التأكيد على عمل القضاة ونزاهة القضاء يتطلب استقلالية الجسم القضائي وعدم تبعيته للسلطات التنفيذية أو السياسية بأي شكل من الأشكال. وأن استقلالية القضاء التامة وحصولهم على معيشة محترمة تتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقهم هي الركيزة الأساس في محاربة وإنهاء الفساد. كما يتندرون بالقول أن ما من أحد يقرأ لأن العديد من الآراء والمقترحات الصريحة والواضحة المتعلقة بهذا الموضوع تحديداً، سبق وأن كتبت ونشرت منذ فترات طويلة في الجرائد والمجلات ثم على شبكة الانترنت، دون أية نتيجة. وهم يأملون أن يكون ما حصل مجرد بداية لا طفرة.

أما الإنسانيين الحنونين فيتساءلون مندهشين، هل يحق لمن صرف من عمله ممارسة العمل بالشهادة الحقوقية التي يحملها بصفته محامي، أم لا يحقمظلوماً، له أن يمارس العمل بعد معرفة الجميع أنه مفصول من عمله لأسباب تمس بالنزاهة دون إعطائه الحق بالطعن والدفاع عمقالاً.ن اعتبر نفسه مظلوماً، وكيف له إعالة عائلته إن لم يكن يحق له العمل بشهادته، وهل أن جميع من فصل يملك البلايين من الليرات السورية أو الملايين من الدولارات حتى ينفق مما " جناه “، وإن كان قرار الفصل لأسباب تمس بالنزاهة فأين قرارات الحجز التي يتوجب أن تترافق مع هكذا قرارات ؟؟ وغير ذلك الكثير من الاستفهامات التي لا مجال لذكرها الآن لكي لا يتحول موضوع " كلام الناس " إلى ما قد يحسب عليّ مقالاً.

وأنا بدوري أتساءل، هل أن كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر مثل كلام اليأس، أم العكس ؟