في العام 1984، وفيما سحب الرئيس الاميركي رونالد ريغن القوات الاميركية من بيروت بعد هجوم انتحاري ادى الى مقتل 244 عنصرا من المارينز، قال الجمهوري المحافظ، واحيانا مرشح الرئاسة، بات بوكانان "من الخطورة ان تكون عدو اميركا، ولكن من المميت ان تكون صديق اميركا".

منذ ذلك الحين، كان للبنانيين السبب الكافي لاستعادة تلك الكلمات. في العام 1990، قايض الرئيس جورج اتش دبليو بوش سيادة لبنان بدعم الرئيس حافظ الاسد في حرب الخليج الاولى. حررت الكويت، وتم التنازل عن لبنان لسوريا.

اليوم، تفيد تقارير لوسائل اعلام متنوعة في المنطقة بان الابناء، جورج دبليو وبشار، ربما يعملان على الوصول الى صفقة فاوستية (نسبة الى الطبيب فاوست الذي باع نفسه للشيطان)، اي ترتيب يأخذ بالاعتبار السياسة الواقعية، وليس العقائد الايديولوجية.
بشار الاسد الذي تعلم من كتاب معمر القذافي، مهتم باجراء مفاوضات مع ادارة بوش لحماية نظامه من الحقائق التي توصل اليها تحقيق الامم المتحدة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. لقد عجّل انفجار السيارة الذي قتل الحريري، بقيام الاحتجاجات في لبنان وفي العالم، التي فرضت بالقوة نهاية احتلال سوري دام 15 عاما.

واعتبر ربيع بيروت نجاحا نادرا وحتميا لادارة بوش التي كافحت ولكنها فشلت في وقف الفوضى السياسية والعنف المتصاعد في العراق. واتخذ بوش موقفا مبدئيا في اطار دولي حقيقي متعدد الاطراف. ونال اللبنانيون الشجعان بمؤازرة دعم المجتمع الدولي، استقلال لبنان.
وعلى الرغم من عبور آخر الجنود السوريين الحدود، بدأ معسكر خفي بزعزعة الاستقرار في لبنان. واقر وزير الداخلية حسن السبع بان "ثمة شبح ارهابي محترف" يعمل. وتسببت تفجيرات عدة استهدفت المناطق المسيحية، بظهور مجموعات حذرة وبتصاعد التوترات الطائفية.
وانهيار الوضع الامني في لبنان بشكل درامي دفع الكثيرين الى اتخاذ احتياطات كبيرة لحماية انفسهم وعائلاتهم.

وبرز التناقض بين حالة الخوف هذه وبين عدم الخوف في 14 اذار، عندما خرج مليون متظاهر للمطالبة بنهاية وجود سوريا الخانق.
الان، زاد قلق اللبنانيين الذين اعتمدوا على دعم بوش في الربيع، من موافقته على عقد صفقة مع الاسد قد تجعل تقرير محقق الامم المتحدة ديتليف ميليس مقتصرا على دائرة صغيرة من المتهمين، من خلال اعطاء ضمانات بتوفير الحصانة لكبار المسؤولين في سوريا مقابل دعم ملحوظ بالنسبة للعراق ولبنان وعملية السلام الاسرائيلية ـ الفلسطينية واماكن اخرى.

وهذا المفصل الحساس لن يكون كذلك بالنسبة للبنان فقط، بل بالنسبة لسوريا والولايات المتحدة على حد سواء.
ان حجب جزء من تقرير ميليس او تخفيف نتائجه، تحديدا اذا مددت مهمة ميليس في نهاية تشرين الاول الجاري، سيفقد الاسد الفرصة لتخلية ساحتة. لقد اكد الاسد مرارا براءته. اذا ثبت تورط اتباعه المقربين، وتوقف التعقب عند هذا الحد، ربما يكسب دعم شعبه لاجراء اصلاح في نظامه. واذا ترافقت هذه الخطوة مع حريات مدنية اكبر وشرطة سرية اقل، سيدعم السوريون على الارجح رئاسته عندما يكافح لاستئصال هؤلاء الموالين لقتلة الحريري.

ويجب ان لا يطلب بوش اقل من ذلك. اذا لم يكن لبشار القدرة على جلب المذنبين الى العدالة، سيعاني النظام السوري من عزلة دولية وعقوبات صارمة.

اما بالنسبة لبوش، فالخيار هو بين تفتيت المكانة الاميركية من خلال عقد صفقة او حتى اظهار هذا التوجه، وبين اعادة تدعيم القيم السائدة دوليا التي تبقى منارة للرازحين تحت سلطة القمع ومسلوبي القرار في العالم. ويجب ان تبقى هذه المسألة خطا احمر للسياسة الخارجية: لا تستطيع واشنطن اعطاء النصائح بخصوص حكم القانون اذا كانت اعتبارات السياسة الخارجية قادرة على اعفاء المجرمين من الاحكام.

ويجب ان يسمح لميليس بالاستمرار في تحقيقه طالما انه يجد ذلك ضروريا، ومن دون تدخل او عرقلة من قبل واشنطن او دمشق. وهذا ليس في صالح لبنان فحسب، بل في صالح سوريا والولايات المتحدة على حد سواء.

والا، فسوف تتشجع تلك القوات التي تعمل على زعزعة الاستقرار في لبنان، في الاستمرار بعملها الذي اكد ديبلوماسيون غربيون انه يستهدف لائحة باسماء مسؤولين لبنانيين ومثقفين وصحافيين.
ان معسكر اوروبا والولايات المتحدة الدولي الهادف الى انهاء الطغيان واحلال الديموقراطية، قد يتعامل مع انفجار خطير اذا كانت حياة ربيع بيروت قصيرة مثل حياة ربيع تشيكوسلوفاكيا عام 1968.

مصادر
هيرالد تريبيون (نيويورك)