لم يعد هناك غطاء لتاريخ قريب جاهد الجميع من أجله، والمواضيع التي كانت عنوانا لحياتنا حتى السادس من تشرين 1973 تظهر اليوم وكأنها الأزمة التي أوقعنا أنفسنا بها ... فآخر الغيث هو فلسطينيو الشتات الذين يشكلون اليوم بوادر الأزمة الجديدة.

والمسألة كما تبدو ليست سعيا لتفجير مسألة كانت "قضية العرب الأولى"، إنما محاولة فهم لما أدخلته هذه "القضية" على حياتنا الداخلية، وما يمكن أن تقوم به اليوم بعد أن انتهى "الغطاء السياسي" للفلسطينيين في الشتات كمرحلة أولى للتوطين. والخبر المضحك هو محاصرة المخيمات خوفا من إنزال إسرائيلي .. هذا الخبر الذي يوحي بأن المسألة الإعلامية قادرة على فرض هفوات مبكية، في زمن استطاع فيه الإعلام قتلنا من الضحك.

المعادلة الفلسطينية اليوم في الخارج تنفك بشكل تدريجي عن الداخل الفلسطيني، هذا إذا استثنينا الرابط العاطفي، أو العقائدي الذي تفرضه تيارات دينية، فهو لا علاقة له بالحق بالمعنى الوطني، بل يتماسك مع تشكيل تراثي لا علاقة له "بالهوية الوطنية" وفق المفهوم الحداثي.

ومسألة المخيمات هي في النهاية ورقة أساسية داخل المعادلة الإقليمية، ندفعها اليوم لتكون "اللعبة الخاسرة" في "الشرق الأوسط الكبير"، بعد أن اقتنع الكثيرون في مراكز أبحاث المحافظون الجدد أن التيارات الاجتماعية "مجمدة" وغير قادرة على الانطلاق نحو محطة جديدة في "الفوضى البناءة". بينما يشكل استثارة المخيمات أولى العلامات الفارقة نحو "البناء" الديمقراطي.

فماذا يعني التوطين في الحسابات الإقليمية؟ إعادة المنسي إلى الواجهة!!! ربما ... فالفلسطينيون ما بين سورية ولبنان لا يشكلون حالة ضاغطة طالما أن "المخيمات" بقيت على حالها .. أو على حلمها الذي نشأت عليه من لحظات التشريد الأولى. لكن الشرعية السياسية لهذه المخيمات انتهت منذ أن ظهرت "السلطة الفلسطينية" كحالة جديدة تفكر في مساحات جغرافية تضيق وتكبر وفق الاجتياحات التي تنفذها إسرائيل. وبهذه الصورة غدت المخيمات وضعيات اجتماعية استثنائية تنتظر "مفاوضات الوضع النهائي" ... فهل يمكن استخدامها في استراتيجية "الشرق الأوسط الكبير"؟!!

الفلسطينيون في سورية يتمتعون بكافة حقوق المواطن السوري، باستثناء الجنسية ... ونحن هنا لا نتحدث عن حالة مطلقة، لأن هذه الحقوق تتبع أيضا عدم تمتعهم بالجنسية السورية، وتمركز معظمهم في مواقع جغرافية محددة، والأهم وضعيتهم داخل الجغرافية – السياسية كونهم بعيدون عن القضايا الداخلية لكنهم يتأثرون بها.

الإجراءات اللبنانية اليوم حول المخيمات ليست بعيدة عن المعادلة الإقليمية ... والحديث عن تنظيمات أصولية داخل المخيمات لا يمكن فصله عن أي ترتيبات قادمة نحو المنطقة، سواء كانت تجاه سورية أو لبنان. ويبدو أن مسألة "التوطين" ستشكل قنبلة الموسم ليس بالمعنى المجازي بل المباشر. فالموضوع الفلسطيني رغم السلام القادم بـ"الجملة" سيعود ليشكل عناوين سياسية داخلية.