كانت "الفورة النفطية" ... ولا نتذكرها اليوم إلا في صورة تسابق الذاكرة من السبعينيات باتجاه نهاية القرن الماضي، عندما أصبحت العطور تفوح من خلف رجال يتبجحون بالثروات وعدد النساء. ومن كان يعتقد أن الفورة النفطية اقتصرت على دول الخليج فعليه أن يعيد حساباته قليلا، لأن هذه الفورة أصابت الجميع، وحصدت كل المتلهفين على اصطياد الثروة حتى ولو كانت انتحارا جماعيا.

"الفورة النفطية" غربت الجميع ثم قذفتهم نحو الوطن بلون جديد ... ونحن كإناث لم تلوعنا هذه الفورة، بل منحتنا قضية جديدة ... إنها "الفورة التراثية" .... فمن اصطياد الثروة إلى البحث عن هوية ضاعت بين ثقافتين استطعنا تبديل معالم دمشق على أقل تقدير ... غادرنا كإناث مع أزواج يحلمون بالثروة، أو ربما بكفاف يومهم ... لكننا عدنا كفاتحين لكل الإناث، واستطعنا إحراق ما لم يستطع هولاكو إحراقه ... ها نحن اليوم نتباهى بقدرتنا على "اليقظة" داخل موتنا الأبدي ... واستبدال "الحجاب" بساتر يحمينا من وهج الأزمنة الحديثة.

كيف انتهت الأنثى داخل "الفورة النفطية" ... سؤال متروك لثقافة كانت تتكسر فاستطعنا خلق موزاييك من أحلام السبايا الواقفين على حدود الاغتصاب والزواج ... فسنوات الغربة في "الصحراء" لم ترسم ملامح الثروة ... لم تبدد سوى الحاضر لتعيد تشكيلانا وكأننا فتح جديد لبلاد نسيت عصر الفتوح وكتابات "الواقدي" ...

عندما كانت المدن المهجورة من أصحابها حلما، كانت مسألة "الصحوة" شأنا لا علاقة له بمجتمع يبحث عن آماله، لكن الإناث امتطين حصان "العفة" نحو "التراث" الذي يعيد رسم سبايا ضمن حلقات تتداول الماضي كبريق لنجم يخالف الطبيعة، فهو لا ينفجر مع الزمن بل يحيل ما حوله إلى ركام.

نسترجع الفورة النفطية كحلم أسود أنهى "عطر النساء" وأحال الرجال إلى ضائعين ما بين الصحراء والحاضر ... والأهم أنه لفح الجميع بالسواد واختصر العقل في ثنائية الأنثى والذكر ليصبح العالم "مكانا غير آمن.