دخلت في الايام الاخيرة الجهود والاتصالات السياسية في سباق مع المعلومات المتوافرة لدى المسؤولين والاجهزة الامنية عن نشاطات مقلقة لتنظيمات فلسطينية موالية لسوريا تتعمد نشاطات استفزازية ومظاهر مسلحة، كما لو انها تريد ان تكون جزءا من النزاع القائم بين لبنان وسوريا منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب الشامل للجيش السوري من لبنان وعمل لجنة التحقيق الدولية. وقد حرص مسؤولون سياسيون لبنانيون وآخرون امنيون اجتمعوا بقادة فلسطينيين على تبديد الانطباع بأن الجيش اللبناني يستهدف بالاجراءات التي اتخذها منذ اكثر من اسبوع المخيمات والسكان الفلسطينيين، وان هذه الاجراءات تعكس اصرار الجيش على تنفيذ القانون على كل الاراضي اللبنانية.

وشدد المسؤولون الامنيون للقادة الفلسطينيين على ان هدفا كهذا ينبغي ان يعني بالنسبة الى التنظيمات الفلسطينية تفادي ما يبرر قلق الجيش اللبناني من تجاوزات اختار الفلسطينيون توقيتا سياسيا وامنيا غير مناسب لها، وخصوصا في حمأة التطورات المحيطة بالوضع الداخلي اللبناني، سواء في التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة او في الالحاح الدولي على تنفيذ القرار 1559.

على ان فحوى الحوارات الامنية اللبنانية – الفلسطينية قابلتها معلومات وصلت الى المسؤولين والاجهزة الامنية تناولت جوانب خمسة:

- اعلان استنفار في صفوف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" بزعامة احمد جبريل في مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا منذ 28 ايلول الفائت بناء على تعليمات مباشرة من جبريل تحسبا لإقدام الجيش اللبناني على توفيف عناصر وكوادر للجبهة عند المعابر الجردية على الحدود اللبنانية – السورية وفي قوسايا في البقاع وفي منطقة الانفاق في الناعمة.

- ترجيح معلومات امنية ان يكون جبريل مقيما في قوسايا للاشراف على نشاطات منظمته.

- تصاعد تدريبات عسكرية في منطقة الانفاق في الناعمة. ونقلا عن شهود عيان وتقارير امنية فان مئات من المسلحين التابعين للجبهة يجرون من حين الى آخر تدريبات بأسلحة نارية في مرتفعات المنطقة على نحو علني.

- اتساع دائرة اجتماعات للكوادر الفلسطينية في مخيمات الضاحية الجنوبية والجنوب نوقشت فيها احتمالات الاصطدام بالجيش اللبناني.

- توقيف 19 مسلحا فلسطينيا بينهم 6 ضباط برتبة رائد في البقاع الغربي كانوا في طريقهم الى مخيم برج البراجنة وانفاق الناعمة قبل اسبوع. مع ان معلومات امنية لبنانية تحدثت عن اطلاق معظمهم في وقت لاحق.

ومع ان الالتباس الراهن في العلاقات اللبنانية – الفلسطينية يتركز على دور لجبريل يحاول توجيه الانتباه في الخلافات اللبنانية – السورية الى بعد آخر، هو بعث الملف الفلسطيني في لبنان على انه كما كان في النصف الثاني من الستينات الى منتصف السبعينات مصدر فوضى وخطر على هذا البلد من جهة، وجعل الساحة الفعلية للخلاف على هذا الملف الاراضي اللبنانية وادى الى انقسام في الموقف اللبناني الداخلي من هذه المسألة من جهة اخرى، فالواضح ان المسؤولين السياسيين والامنيين اللبنانيين يحاولون مقاربة المشكلة من جانب آخر تماما، وهو اشعار الفسلطينيين الى اي فئة انتموا انهم غير مهددين، وانهم خصوصا ليسوا جزءا من ملف العلاقات اللبنانية – السورية، ولا طرفا في الخلاف اللبناني – السوري.

ورقة سورية

وتدرج السلطة اللبنانية موقفها من اعمال الاستفزاز التي تقوم بها منظمات فلسطينية موالية لسوريا على النحو الآتي:

- ليست ثمة مشكلة بين لبنان والسلطة الوطنية الفلسطينية، ولا بينها وبين المنظمات والفصائل المنضوية في صفوفها، وهو ما اكده امس وفدها المحاور مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في اجتماع السرايا. الا ان المشكلة قائمة مع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" التي تريد ان تتصرف، بحكم كونها حليفة لسوريا، على انها ورقة ضغط على لبنان في النزاع القائم مع دمشق، وعلى ان تكون ذراعا لسوريا في لبنان حيث لم تعد ثمة ذراع سورية منذ انسحب الجيش السوري من هذا البلد.

في المقابل، ووفق ما يشير اليه مسؤولون لبنانيون، فان الجيش لن يقبل باستدراجه الى مشكلة مع المخيمات الفلسطينية بغية توجيه الاستحقاقات الداخلية في منحى آخر. الا انه حسم اهداف اجراءاته الاخيرة وهي منع دخول السلاح الى المخيمات والمراكز الفلسطينية او اخراجها منها، وكذلك الامر بالنسبة الى الاشخاص الذين دخلوا الاراضي اللبنانية خلسة او يقيمون عليها خلافا للقانون.

- لا ترمي اجراءات الجيش اللبناني في محيط المخيمات والمراكز الفلسطينية خارج هذه المخيمات الى مهاجمتها، وانما الى ضبط الامن بعدما تزايدت اعمال تهريب الاسلحة والاشخاص على نحو يفتح باباً للاخلال بالامن والاستقرار اللبنانيين. ومن دون ان يكون ثمة ترابط مباشر بين هذه الاعمال والانفجارات والاغتيالات ومحاولات الاغتيال المتلاحقة في الاشهر الاخيرة، فان توقيت تهريب اسلحة واشخاص الى مراكز فلسطينية خارج المخيمات وخارج سلطة الشرعية اللبنانية وتعمد القيام بنشاطات فلسطينية مسلحة يشكل انذارا جديا للسلطة اللبنانية من امكان مواجهة البلاد انقلابا امنيا وفوضى خطيرة ليس في وسع الجيش والاجهزة الامنية السكوت عنهما.

والاحرى ان المسألة هذه تصبح اكثر خطرا عندما تصير المخيمات الفلسطينية ورقة سورية في لبنان.

- رغم اصرارها على تطبيق القانون وفرض الامن، تعتقد السلطة اللبنانية ان حل مشكلة السلاح الفلسطيني ليس لبنانيا بحتا، وهو يتطلب تعاونا صريحا من السلطة الوطنية الفلسطينية والمنظمات والفصائل الفلسطينية في لبنان. ويعني ذلك ايضا في مرحلة ما حوارا مع سوريا ذات التأثير الفعلي على منظمات فلسطينية اما انها تأتمر مباشرة بها او تلقى دعما سياسيا وعسكريا منها.

وهو امر ذكره المسؤولون الامنيون اللبنانيون للقادة الفلسطينيين بتشديدهم لهم انهم لا يفكرون في اي حل عسكري للسلاح الفلسطيني. الا ان ذلك يعني ايضا ان الجيش اللبناني معني بالدفاع عن المخيمات الفلسطينية ضد اي اعتداء اسرائيلي محتمل تبديدا للرأي أن سلاح المخيمات والمراكز الفلسطينية هو لحمايتها من هجمات الدولة العبرية.

مصادر
النهار (لبنان)