الأساطير تتحدث عن أن القائد الأسطوري البريطاني ونستون تشرتشل رد على من قالوا له ذات مرة عن خليفته في رئاسة الوزراء كلمنت آتلي: "انظر اليه كم هو متواضع". تشرتشل رد عليهم حسب الحكاية: "حقا، فلديه كل الأسباب حتى يكون كذلك".

تذكرنا تشرتشل وآتلي والتواضع مع انتهاء السنة اليهودية والولوج في العام الجديد: السياسيون والشخصيات العامة والصحافيون على وجه التأكيد ينشدون أناشيد المجد والفخر لقيادة دولة اسرائيل وأمنها واقتصادها، أنشودة الأناشيد بحق شارون تتردد هي الاخرى على الأفواه والألسن.

ولكننا شاهدنا هذا الفيلم في السابق: في منتصف التسعينات صعد النمو الاقتصادي الاسرائيلي الى معدلات لم نشهدها من قبل أبدا، والعالم فتح أبوابه الموصدة في وجهنا طوال عقود، والسياحة تعاظمت والمقاطعة العربية تبددت في جزئها الأعظم، كل شيء كان جميلا وجيدا، وحتى جيدا جدا. عرفات قال في تلك الايام: "لقد فتحت بوابة العالم أمامكم"، وبالدرجة التي كان فيها هذا الشخص ممقوتا، إلا انه كان محقا في ما قاله. أول الاتفاقات مع "م.ت.ف" قلبت العالم وجعلته يبتسم لنا أكثر من أي وقت مضى. سحابة خفيفة من النشوة جللت سماء دولة اسرائيل في حينه وعدنا الى أسرة الشعوب.

حتى لو كانت الامور صحيحة وحقيقية اليوم، إلا أنه من الأجدر بالسياسيين والصحافيين أن يتواضعوا ويحتشموا. ومن مثلهم يعرف السرعة التي يمكن للدولاب أن ينقلب فيها. عملية واحدة وسقوط ثلاثين قتيلا - لا قدر الله - ستجعلنا نعود القهقرى الى النقطة التي كنا فيها في اسوأ حال.

ما أرغب في قوله هو أن كل شيء هش. وحتى لو كان شارون ونتنياهو واولمرت وغيرهم جديرين بالثناء على ما حققوه، إلا أن المفاتيح ليست حكرا عليهم وحدهم. آمِر واحد من دمشق وعملية لـ"حماس" ستجعلنا ننتقل من المهرجانات الى عالم الكوارث، كما قال المرحوم عيزر وايزمن الذي "فقد صوابه"، حسب قوله، من التقلبات المزاجية الحادة في اسرائيل.

لا مجال للتنكر: العالم يُحبنا، ويمد يده إلينا مثل التسعينات إثر إخراج خطة فك الارتباط الى حيز التنفيذ. العالم كما يظهر يريد أن يتواصل ذلك. سكان مستوطنة تلمون (أ) وتلمون (ب) سيدفعون ثمنا مقابل كل تصفيق من توني بلير. شارون نفسه لا يريد دخول سجل التاريخ فقط، وانما يرغب بأن يطبعوه هنا والآن قبل أي وقت آخر. المفتاح في العام القادم موجود اذاً بيد خالد مشعل من "حماس" وارييل شارون من الحكومة الاسرائيلية. فلنبتهل حتى يتخذا القرارات الحكيمة والصائبة.

إهمال خطير

في القاموس الطبي الدارج يوجد مصطلح يعرفه كل طبيب وممرضة: "ديزيمولنت"، وهو الشخص الذي يُهمل صحته الى حد الخطورة. من الممكن اطلاق هذه التسمية على دولة اسرائيل في كل ما يتعلق بمركز "الليكود". دولة اسرائيل تُهمل مسألة معالجة هذا الوباء، ومن الممكن القول عنها انها "ديزيمولنت". رغم الاقتصاد الرائع والأمن المضمون والمجتمع الموحد، فقد يكلفها هذا الإهمال حياتها تقريبا. الى هذا الحد (ومركز حزب "العمل"، بالمناسبة، ليس أفضل حالا اذا كنتم تسألون).

الجهاز السياسي الاسرائيلي موجود في أزمة عميقة، وربما هي الأعمق حتى الآن. طريقة الانتخابات الشخصية لرئاسة الوزراء أعلنت إفلاسها والاسلوب الحالي مثلها.

في ظل الوضع السياسي الحالي تبرز الحاجة الى شخص مركزي مُخول، يُعلق الجميع عليه الآمال حتى يشكل جسما نزيها للتفكير واقتراح طريقة لإزالة مراكز الاحزاب وإلقائها الى الجحيم. على الحل أن يكون ديمقراطيا مبتكرا، ولكنه يجب أن يكون حلا حقا: من النظام الرئاسي حتى اللجنة التنظيمية. الحل الذي سيتم التوصل اليه يجب أن ينطبق على الانتخابات المقبلة.

أعياد "الجسر"

أعياد هذه السنة تصادف في منتصف الاسبوع، الأمر الذي يُمكّن مئات الآلاف من صنع "جسر" قبل العيد أو بعده أو قبله وبعده، ومغادرة الساحة لثلاثين يوما تقريبا. باختصار، ايام العمل قليلة في هذا الشهر. والآن نحن نفهم ليفي أشكول الذي قال في دعابة عندما عرضوا عليه تحويل اسبوع العمل الى خمسة ايام: "ربما يبدأون بالعمل يوما واحدا وثم اثنين وهكذا".

مصادر
صدى البلد (لبنان)