من المرتقب أن يلتقي عدوا الماضي، رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون، وغريمه محمود عباس ’’أبومازن’’ رئيس السلطة الفلسطينية، قبيل زيارة ’’أبومازن’’ المرتقبة لواشطن في العشرين من الشهر الجاري• ولا يزال الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني يواصلان لعبة ’’البوكر’’ المشتركة بينهما، في حين تقول الأنباء إن الملك عبدالله عاهل الأردن، هو الذي رتب لقاء القمة الثالثة الإسرائيلية- الفلسطينية، المتوقع انعقاده في مدينة القدس• وفي ذلك اللقاء يرجح أن يقدم شارون لنظيره الفلسطيني ’’أبومازن’’، ما يرضيه بعض الشيء ويخفف من غلواء انتقاداته لسوء السلوك الإسرائيلي، أمام مسؤولي واشنطن، ما أن يحل ضيفاً عليهم• لكنه لن ينسى في الوقت ذاته، أن يطالب ’’أبومازن’’ -كعهده دائماً- بتصفية ما يسميه بالفصائل والمنظمات الإرهابية الفلسطينية•

ومن جانبه يتوقع أن يلح أبومازن على شارون، في مطالبته بسحب الجيش الإسرائيلي من كافة المدن الفلسطينية، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفقاً لما جرى الاتفاق عليه في قمة ’’شرم الشيخ’’ المنعقدة في شهر فبراير الماضي• وفي مقدمة أولويات ومطالب ’’أبومازن’’: تمتع الفلسطينيين بالمزيد من حرية الحركة والتنقل، ووضع حد للعنف العسكري الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وضمان حماية المصالح الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية، ثم إقامة شبكة نقل وطرق تصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، إلى جانب مطالب أخرى، ربما تكون أقل أهمية• على أنه وفيما عدا هذه المناوشات الصغيرة المعتادة بين الجانبين، فإن أفق التفاوض حول تسوية سلمية للنزاع، يبدو أكثر بعداً من أي وقت مضى•

ويكمن السبب الرئيسي وراء هذا البعد، في حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تزال وسيط السلام الرئيسي الذي يعول عليه - رغم ما يؤخذ عليها من انحياز صارخ للطرف الإسرائيلي، وربما بسبب هذا الانحياز- لا تزال غارقة حتى أذنيها في مأزقها العراقي، إلى جانب انشغالها بالمهام الإضافية الكبيرة التي خلفها إعصار ’’كاترينا’’• ولهذين السببين، فإنها أبعد ما تكون الآن استعداداً ورغبة وحماساً لمناقشة أسس التسوية السلمية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني• ولذلك فإنه ليس متوقعاً أن يقابل ’’أبومازن’’ بالبشاشة والأريحية المفترضة من قبل الرئيس بوش، الغارق في همومه ومشاغله الخاصة•

وهناك سبب ثانٍ ينأى شوطاً إضافياً بأفق التفاوض السلمي بين الطرفين• والمعني بهذا أن لكلا الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني مشاغله الخاصة والملحة أيضاً• صحيح أن شارون قد نجح للتو في إحباط محاولة تبناها وقادها خصمه الليكودي بنيامين نتانياهو، كانت ترمي لإقصاء شارون من زعامة الحزب• لكن وفي إطار استعداداته للمعارك السياسية والانتخابية المرتقبة العام الماضي، فقد بات لزاماً عليه أن يقرر مسبقاً، ما إذا كان سيستمر في زعامة حزب الليكود، أم يسعى لتأسيس حزب سياسي وسطي جديد، مع العلم أن حزب الليكود قد طالته الانقسامات الداخلية الحادة، بين أنصار التيار اليميني المعتدل، وممثلي التيار الديني المتشدد• وفي المقابل فإن لـ’’أبومازن’’ حزمة كاملة من المشاغل والأجندة الداخلية الفلسطينية• وتبدأ هذه المشاغل بإعادة ترتيب البيت الداخلي وحفظ النظام فيه• كما تشمل الأجندة تنظيف سلطته من العناصر الفاسدة الفاقدة للكفاءة، علاوة على ما ينتظره من سعي وراء التوصل إلى إجماع فلسطيني، حول استراتيجية وطنية متفق عليها من قبل كافة الأطراف والفصائل الفلسطينية• ولا يزال أمام ’’أبومازن’’ واجب إصلاح منظمة ’’فتح’’ التي ينتمي إليها، قبل وقت كافٍ من إجراء الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في الخامس والعشرين من شهر يناير المقبل• فوق ذلك كله، فإن على ’’أبومازن’’ أن يبحث عن السبل الكفيلة بدمج حركة ’’حماس’’ في العملية السياسية الفلسطينية، بدلاً من ترويضها وكسر شوكتها عسكرياً، كما يطالب شارون• وهناك مخاوف كبيرة من أن يكون النصر حليف ’’حماس’’ الأكثر تأهباً والأفضل تسليحاً من السلطة الفلسطينية، في حال نشوب أي نزاع مسلح بين هذين الطرفين الفلسطينيين• أما حين يجيء الدور على خطة ’’خريطة الطريق’’ التي بلورتهـــــا الرباعـــــية الدولـــــية -الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة- فإنها لا تجد سواء من طرف شارون أم من نظيره ’’أبومازن’’، سوى حلو الكلام ومعسوله لا أكثر ولا أقل• ذلك أن الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أنه لا شارون ولا أبومازن، قد أعدا عدتهما بعد، لتلبية مطالبها وشروطها• وتحرياً للدقة، فإن شارون لن يكف عن سياساته التوسعية الاستيطانية -لا سيما في مدينة القدس- في حين لن يخطو أبومازن خطوة واحدة إزاء تجريد حركة ’’حماس’’ من أسلحتها• وعليه، فإن فجوة كبيرة تفصل بين كلا طرفي النزاع في المواقف والرؤى والسياسات، دون أن تلوح بادرة واحدة، تشير إلى احتمال ردمها وتجسيرها•

وفي إطار السعي إلى إصلاح وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني -بعيداً عن التطرف والعنف- إنما يرمي أبومازن إلى تجريد شارون من أية حجج أو مسوغات لتسويف التفاوض حول تسوية الوضع النهائي الفلسطيني• ومنطلق ’’أبومازن’’ في هذا، أمله في تأمين ما يتراوح بين 90-95 في المئة من أراضي الضفة الغربية -إن لم تكن كلها- بما في ذلك المناطق والأحياء الفلسطينية داخل مدينة القدس الشرقية، وفق ما نص عليه اتفاق عام 2000 الذي أبرم مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في هذا الخصوص• وعلى نقيض هذا الأمل تماماً، فإن شارون لن يألو جهداً في سبيل الحيلولة دون إجراء أي تفاوض سياسي حول الوضع النهائي• كيف لا وهو الحريص عينه على تأمين القدس كلها، وضمان استمرارها في قبضة إسرائيل، دون أن تنقص شبراً واحداً؟ كما يتوقع أن يستميت شارون في التشبث باستمرار القبضة الإسرائيلية على كبرى المستوطنات وعلى ما يسمى بـ’’المناطق الأمنية’’ وكذلك على وادي الأردن• وباختصار فإن هذه الأراضي مجتمعة تعادل حوالي نصف مساحة الضفة الغربية• ومثلما فعل شارون في انسحابه أحادي الجانب من قطاع غزة، فليس مستبعداً أن يمضي إلى تقرير وترسيم الحدود السياسية لإسرائيل على طريقة عزفه المنفرد أيضاً -وبصرف النظر عما يقوله أو يراه الرئيس بوش-• وليس ذلك فحسب، بل إنه ربما ينفرد لوحده بفرض الترتيبات الأمنية التي يراها على جيرانه الفلسطينيين، طالما أنه هو يرى أنها لازمة وضرورية لأمن إسرائيل•

ولما كان هناك من يرى أن النزعة الفردية هي سمة مستحكمة ومستفحلة لدى كل من شارون و’’أبومازن’’، فهل للشرق الأوسط أن يحتمل اندلاع دورة جديدة من العنف الدموي؟ وهل من سبيل للحيلولة دون حدوثها بمبادرة أميركية عربية أوروبية؟ ألا ما أبعد الأمل، طالما بقي ’’البلدوزر’’ الإسرائيلي البالغ من العمر 77 عاماً، مرابطاً وقابضاً على مفاصل القرار والمصير الإسرائيلي!

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)