انقضى الصيف، خطة فك الارتباط نُفذت، وارييل شارون هزم بنيامين نتنياهو في مركز الليكود. المنظومة السياسية موحدة حول زعامة رئيس الحكومة، احتمالات بقائه في كرسيه زادت ومعها أثيرت من جديد التساؤلات حول ماذا بعد؟ الى أين يسير؟ في مثل هذه الأجواء، فإن كل إشارة تشعل فوراً نار موجة من الشائعات. هذا حصل مع ايال أراد، رجل "منتدى المزرعة" الذي تحدث الأسبوع الماضي عن "خطوات أخرى أحادية الجانب". شارون نفى بغضب، وفي حالة أخرى، روى موظف كبير للزملاء عن خدمة الارتباط التي أداها ذات مرة في رفح وتساءل لماذا لا تزال المدينة مقسمة بين قطاع غزة ومصر، وعلى الفور حصلت أمواج ارتدادية في المؤسسة الحكومية، كما لو أن الأمر يتعلق بسياسة جديدة.

رد شارون على هذه الأسئلة كان بسيطاً، "آمل أن نبدأ بتطبيق خارطة الطريق، ونخطو خطوة هائلة نحو السلام"، قال في حديث هاتفي عشية رأس السنة. ويشاركه الرأي وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير الخارجية سيلفان شالوم. والجميع يؤكدون التزامهم بخارطة الطريق كدليل للعلاقات مع الفلسطينيين. ولمن نسي، فإن الحديث يدور عن خطة لسنتين ونصف السنة لإقامة دولة فلسطينية على مراحل. وهي يفترض أن تبدأ بخطوات أمنية من السلطة الفلسطينية، وفي نظر اسرائيل بـ"تفكيك البنى التحتية للارهاب"، كشرط للتقدّم نحو دولة بحدود موقتة ـ ومنها الى التسوية الدائمة، الأسرة الدولية ملتزمة بها، ولكنها لم تجند لها بعد الطاقة اللازمة لتطبيقها.

من ناحية شارون، التمسك بخارطة الطريق يمنح اسرائيل ضمانة من الضغوط لانسحابات أخرى، طالما أن الفلسطينيين لم ينفذوا المطلوب منهم بعد فك الارتباط ومركز الليكود، يوجد شارون في وضع مثالي. محرر من الضغوط ويتمتع بالزمن وحرية عمل. يمكن الاستمرار في تطبيق "تفاهمات شرم الشيخ" لخروج الجيش الاسرائيلي من المدن الفلسطينية في الضفة والافراج عن سجناء. وإذا ما استيقظت واشنطن، فيمكن دائماً إخلاء بضعة مواقع استيطانية والتذمر من الصعوبات السياسية الداخلية.

يقول مصدر سياسي "يتعين أن يكون رئيس الحكومة مجنوناً كي يغادر في هذه اللحظة خارطة الطريق، حتى وإن كان يؤمن في قرارة نفسه أنها لن تحقق شيئاً. نهاية خارطة الطريق ستكون بداية الاجراءات المفروضة. وهي تعطينا الضمانة التامة في هذه اللحظة، وعليه، يجب أن يحصل شيء دراماتيكي جداً كي يتنازل عنها رئيس الحكومة الذي لا يبحث عن المشاكل". فريق خبراء من وزارة الخارجية، الذي حلل البدائل السياسية لاسرائيل توصل الى ذات الاستنتاج وأوصى الآن بالتركيز على تعبيد الطريق الى خارطة الطريق.

يقول سفير دولة أساسية أن "فك الارتباط يدل على أنكم انتصرتم في الانتفاضة. الجانب المنتصر هو الذي يملي التسوية والحدود في نهاية الحرب". ويشارك في هذا الاحساس عدد غير قليل من الشخصيات في اسرائيل. الخطوات احادية الجانب من شارون، الجدار الفاصل وفك الارتباط، ولدت كرد على أزمات أحدثتها العمليات الانتحارية والجمود السياسي، وهي اليوم توصف كاستراتيجية، كطريق مرغوب فيها لاسرائيل. وبدل أن تكون رهينة لموافقة الفلسطينيين العنيدين، فإنها تقرر بنفسها حدودها وتملي الترتيبات الأمنية.

توصلوا الى هذا الاستنتاج في قسم التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان، برئاسة العميد أودي ديغل، ويشارك فيه رئيس شعبة الاستخبارات "أمان" اللواء أهرون زئيفي فركش. كلاهما عبّرا علناَ عن موقفهما. ويقف في أساس نهج آحادي الجانب التقدير بأن المصداقية الفلسطينية معدومة، لا قيمة لوعودهم وخسارة دفع مقابلها أي ثمن. وفي المقابل، يدعي موظفون كبار بأن هذا وهم: فك الارتباط لم يكن في الواقع آحادي الجانب، وكان ينطوي على اتفاق مع الولايات المتحدة وتنسيق مع رئيس السلطة محمود عباس.
شارون، بأفعاله وتصريحاته المعادية تجاه "العرب" يلمح بتفضيل الخطوات آحادية الجانب، لا يوجد لديه سبب أو اضطرار لاتخاذ القرار في ذلك الآن، وهو يصرّح بأنه لن يكون فك ارتباط ثاني. ومع ذلك، فمن الصعب عليه إقناع الآخرين بذلك، في الجولة السابقة عارض الانسحاب من جانب واحد وتراجع، وفي المستقبل أيضاَ يمكنه أن يدعي بأن المصلحة القومية تفترض ذلك. واضح فقط أن الأحاديث عن ذلك تزعجه عندما يرغب في تقييد الولايات المتحدة بخارطة الطريق ومطالبة عباس بمكافحة حماس والمنظمات الارهابية الأخرى.

أوضح شارون أخيراً بأن اسرائيل لن تبقى في كل الأماكن التي توجد تحت سيطرتها في الضفة. الى أين سينسحب، بشكل آحادي الجانب أو باتفاق؟ في المداولات التي سبقت فك الارتباط صادق على أن يعرض على الأميركيين انسحاباً أعمق في الضفة، تضمن إخلاء مستوطنة مع نحو 7 آلاف من السكان. الخريطة التي رسمها غيورا ايلاند، رئيس مجلس الأمن القومي، منحت الفلسطينيين كتلة إقليمية في ظهر الجبل، من جنين وحتى رام الله. ويمكن التقدير بأنه جرى الحديث عن إخلاء مستوطنات مثل شافي شومرون، الون موريه، براخا ويتسهار، مافو دوتان وحورمش. وفي نهاية المطاف اكتفى الأميركيون بإخلاء أربع مستوطنات قرب جنين. 13 أخرى بقيت حالياً في مكانها. إيلاند رسم أيضاً بديلاً أعمق في شكل يشبه اقتراح الوزير ايسهود أولمرت، لإخلاء 90 في المائة من الضفة والانغلاق من خلف خط الجدار، شارون قرر في حينه ألا يعرض هذه على الأميركيين.

وجود بدائل الاخلاء لا يضمن اختيار شارون لها. هذه البدائل تشير فقط الى اتجاهات العمل المحتلة في المستقبل. إخلاء 13 مستوطنة منعزلة والمواقع الاستيطانية المحاذية لها يتطابق والخريطة التي وصفها رئيس الحكومة في "خطاب الميكروفون" الذي أراد إلقاءه في مركز الليكود، القدس، الكتل الاستيطانية الكبرى، "مناطق أمنية" وغور الأردن ضمن السيطرة الاسرائيلية، مع أغلبية يهودية في المناطق المتبقية.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)