قدمت نوبل نموذجا لهذا العام يلخص الفارق بين المستقبل والغرق في تفاصيل الحدث السياسي، فحصتنا كانت "نوبل للسلام" مع كم التساؤلات أو الغموض الذي طوق بشكل دائم هذه"الجائزة" ... فهي منحت من قبل لـ"بيغن" ... وحصتنا من نوبل حملت التكوين الخلافي ليس فقط لأنها من نصيب وكالة الطاقة والبرادعي، بل أيضا لارتباطها هذا العام بالملف النووي.

أما نوبل للاقتصاد فتقاسمها أمريكي وإسرائيلي حول "نظرية المباريات" ... ومن الطبيعي أن العدد الأكبر من المتابعين يعرفون عن الملف النووي أكثر من معرفتهم حول هذه النظرية المتعلقة بعلم استراتيجي. والمفارقة ليست فقط التكوين الخلافي لنوبل للسلام بل أيضا في أن اقتسام هذه الجائزة يرسم ألوان الاهتمام الذي يمكن إسقاطه على أي ثقافة اجتماعية.

ربما لا نملك اعتراضا على شخصية البرادعي، ولا على سياسة نوبل في توزيع الحصص أو طريقة تفكيرها في منح الجوائز، فالمسألة غارقة في تفكيرنا وتقيمنا لما نحن فيه، لأن طبيعة المأساة ترتسم خارج معالم السياسة وصراع "الزرقاوي" مع "بوش" أو اعتراضات الجعفري على الطالباني. كما ترتسم في دائرة أعلى من اقتتال "النشطاء" مع الحكومة وغرق المجتمع فيما سيقدمه ميلس.

داخل "نموذج نوبل" يكتمل الشكل الذي قررنا أنه قادر على حصارنا، ودفعنا نحو الاسترخاء بما هو "أهم" بدء من قانون الطوارئ وانتهاء بحرية الأحزاب، وكأن هذه المواضيع يمكن أن تمتلك صفة "المطلق" داخل مجتمع يقف عند حدود الماضي والحاضر. والأزمة ليست في طرح مفاهيم الحداثة داخل الإطار السياسي، بل لأن الحداثة تحمل تكوينها الخاص داخلنا، فنقتلها عند حدود الشرف ونمزجها بخليط من الدين والتقليد و "الأصالة".

وفي "نموذج نوبل" هناك افتراق عن عالم اليوم الذي يبني "ديمقراطيته" في مساحة من النشاط الاجتماعي، بينما يتألق النخب داخل عالمنا الخاص في صور من "النشاط العام" الذي يحمل "أولمبياد سياسي"، ويفرض علينا نسيان أن هذه "الأولمبياد" تحكمها علوم الاقتصاد والرياضيات، وعلى من لا يصدق فإن نوبل للاقتصاد ربما ليست مثلا بل صراخا في داخلنا.

عندما نريد الوقوف في النطاق الوهمي للحداثة فلا يمكن لحقوق الإنسان والحريات و"الهوية القومية" أن تكون واقعا، لأن الحقوق المدنية لم تظهر عبثا ولم تكن نتاج "نشطاء" ... نحن ننتظر عصر الأنوار قبل أن تنتصر "الثقافة الجديدة" فينا ....