يبدو أن حركة حماس قد انتهت من بلورة قوائمها لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المتوقعة في كانون الثاني 2006 غير مبالية بالضغوط الداخلية والخارجية التي تُمارس عليها. هذه الحركة الراديكالية تسعى الى مواصلة الاحتفاظ بجيشها الخاص والانخراط في الحياة السياسية الداخلية. هذا الموقف يقود حماس بالضرورة في مسار تصادمي ثلاثي:

مع السلطة الفلسطينية ومع إسرائيل ومع الولايات المتحدة. هذا الموقف يهدد بصورة خاصة محمود عباس الذي سيلتقي مع شارون في هذا الأسبوع ومن ثم مع الرئيس الأميركي من بعده. كلاهما سيسعيان لمعرفة مدى قدرته على قيادة دفة العملية السياسية المقبلة.
القلق العميق لا ينبع فقط من مواقف حماس المتطرفة، وإنما بالأساس من التطورات العنيفة على الأرض، عمليات الاختطاف المتبادلة للمدنيين وأفراد قوات الأمن الفلسطينية سواء من قبل أنصار السلطة أو من قبل حماس، وعمليات إطلاق النار وتهديدات المسلحين لأعضاء البرلمان ولرئيس الحكومة الفلسطيني، والشعور العميق بعجز السلطة الفلسطينية في ترسيخ الأمن في مناطق نفوذها خصوصاً في غزة ـ كل هذه الأمور هي مؤشر لفقدان السيطرة.

من شأن انسحاب إسرائيل من غزة الذي كان من المفترض فيه أن يشجع الفلسطينيين على الانتقال من الكفاح المسلح الى الحوار السياسي، أن يفقد لحظته السانحة. وبدلاً من أن يكون حافزاً لتطبيق خريطة الطريق سيعتبر خطوة عسكرية أمنية ذات أهمية تكتيكية من ناحية العملية السياسية. من هنا قد تتلاشى الانطلاقة التي كان من الممكن أن تترتب على انتخابات السلطة الفلسطينية إذا تمخّضت في أقصى الأحوال عن منظمات مسلحة مهتمة فقط في السيطرة على الحكم أو جزء منه وتقاسم الأرباح.

إزالة هذا الخطر تلزم السلطة الفلسطينية ورئيسها بإظهار قدراتهم القيادية التي تتجاوز مسألة رفع الشعارات، ونداءات محمود عباس الحازمة للكف عن تنظيم المسيرات المسلحة أو الطلب من حماس بنزع سلاحها. السلطة الفلسطينية مهما كانت تحظى بالشعبية ـ وسلطة أبو مازن ليست كذلك ـ لا تستطيع مواصلة الاحتفاظ بالحكم إذا بقيت الى جانبها فصائل مسلحة تقضم احتكارها لتنفيذ القانون والسهر عليه. كما أن تأجيل الانتخابات سواء بمبادرة من محمود عباس أو من خلال الوساطة والاتصالات المصرية، لا يمكنه أن يحل مكان العمل الحازم على نزع السلاح غير الشرعي. ويتعيّن على حركة حماس التي تسعى الى إقناع الناس بنواياها السياسية أن تُقرن الأقوال بالأفعال وأن تسلم سلاحها للسلطة الفلسطينية إذا رغبت في إزالة وصمة الإرهاب عن نفسها واعتبارها كحركة شرعية.

هذه الصراعات الداخلية لا يمكن أن تترك إسرائيل والولايات المتحدة في موقف المتفرج. فإطلاق السجناء وفتح المرفأ البحري والمطار وتحويل أموال الدعم الكبيرة وتزويد السلطة بالوسائل العسكرية الناجعة التي قد تعزز قوتها في الشارع تُعتبر الآن تعزيزاً ضرورياً لترسيخ مكانة الشريك الفلسطيني ومن دونها لا يمكن لإسرائيل أن تُقنع الآخرين بصدق نواياها.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)