كان المسرح الإعلامي ـ السياسي جاهزاً لحظة انتهاء لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري من مهمتها الدمشقية المشوبة ـ ظاهرياً ـ بالكثير من الغموض.

كان المسرح جاهزاً للهجوم المضاد، من أعلى المستويات الى ادناها, من الرئيس الى الإعلامي الى الموالين الصغار في المقاهي والغرف المظلمة، مروراً بوزراء ورؤساء احزاب وشخصيات سياسية واجتماعية, وسلاح الهجوم واحد: ميليس لم يستطع اثبات شيء في «القضائي» ونحذر من «فبركة» أي شيء في «السياسي».

القيادة السورية اكدت عدم وجود أي شبهة، وربطت بين غياب الشبهة اثر التحقيقات وبين كل العوامل الأخرى «المتفاعلة» من وجهة نظرها مع «المؤامرة الدولية»، الى درجة اعتبر توقيت تصريح وزير الدفاع اللبناني إلياس المر عن مشادة هاتفية بينه وبين رستم غزالة «جزءاً مما يحضر لسورية».

مسؤولون سوريون كبار توزعوا التصريحات اليومية المرتكزة على ان للتحقيق شقين: الأول قضائي والثاني سياسي، وان دمشق التي «تأكدت» (؟) من عدم وجود أي شبهة بعد تحقيقات ميليس تريد أكثر من غيرها «الالتصاق» بالشق القضائي والانطلاق منه لمواجهة الشق السياسي الذي حملها مسؤوليات اعمال لم ترتكبها.
وزراء وسياسيون وإعلاميون لبنانيون بدأوا عزفاً جماعياً وفق «نوتة» مدروسة.

وزير العدل القريب من الرئيس اميل لحود يؤكد (ثم يوضح) ان ميليس لم يجد شيئاً في سورية ولم يثبت شيئاً على الموقوفين.
رؤساء احزاب يبدأون حملة تخويف للمواقف وتخوين لمسؤولين: لا للقبول بمساعدة امنية أميركية في ضبط الوضع الأمني، لا لتشجيع الحكومة على انشاء محكمة دولية، لا لمراقبة التسلل الفلسطيني المسلح عبر الحدود، ولا كبيرة للموافقة على صدور اتهامات لسورية «من دون سند قضائي» في تقرير ميليس.

سياسيون من مختلف الدرجات يبدأون وصلة «ردح» ضد سياسيين ووزراء حاليين، لأنهم يتصدون بهدوء وعزيمة لبعض الملفات المليئة بالفساد والتورط، وما كان ينقص احدهم وهو يهاجم (يشتم) الوزير مروان حمادة الا ان يطلب منه في النهاية الاعتذار للشعب اللبناني وللنظام الأمني عن خروجه حياً من محاولة الاغتيال التي تعرض لها قبل عام.

إعلاميون زملاء بعضهم ينسجم مع نفسه ولا يتلون، يرفض واقع ما بعد 14 آذار (مارس) ويتابع تصديه له لأنه من وجهة نظره غير مفيد للبنان والمنطقة، وإعلاميون آخرون,,, اللهم إننا صائمون!
واللافت في الحملة المضادة ان كل طرف رمى بكل اوراقه الإعلامية ـ السياسية في الأيام الأولى التي اعقبت انتهاء مهمة ميليس في دمشق، لتمهيد الطريق أمام اوراق اخرى غير سياسية وغير إعلامية، بينها التأزم الحكومي مثلاً، والعامل الفلسطيني مثلاً، واعلان هذا الطرف او ذاك الانسحاب من تركيبة السلطة الحالية مثلاً، وحصول ردود فعل غير مدروسة على عمل تصعيدي مدروس مثلاً,,, فيما بقي القاضي الدولي متسلحاً بابتسامة غير محددة اللون وبصمت يشي بالكثير.
انهى ميليس تحقيقاته مع «الشهود» السوريين من سياسيين وعسكريين، اطلق اسئلته في كل اتجاه، استشهد بمعلومات من شهود ومن التحقيقات التي اجريت مع الجنرالات اللبنانيين الموقوفين وبمعطيات وادلة وحصد اجوبة,,, لكنه بالتأكيد، لم يعط نتيجة ولم يكن ليعطي نتيجة او مؤشرا، فللتحقيقات اصول وللعمل القضائي خطوات دقيقة لا بد من اتباعها.

كثيرون في حركة 14 اذار استبقوا تقرير ميليس وبنوا على الاجرءات القضائية الأولى قصر اليقين، مدفوعين بحدس سياسي، ويستبق الآن اقطاب الهجوم المضاد التقرير ويبنون على ما اعتبروه «خلو الشهود من الشبهة» قصر اليقين أيضاً مدفوعين بـ «براءة قضائية»,,, والفارق بين القصرين ان احدهما مبني على وهم.

أقل من عشرة أيام تفصلنا عن التقرير.

مصادر
الرأي العام (الكويت)