رغم الصمت الاسرائيلي الرسمي إزاء تصريحات المسؤولين الاميركيين الاخيرة التي بدأت تلمح الى امكان حدوث تغييرات داخلية في سوريا تطاول نظام الحكم هناك، فان التعليقات التي نشرتها الصحف الاسرائيلية في الأيام الاخيرة بهذا الشأن تدل بوضوح الى قلق اسرائيلي ما من التوجهات الاخيرة لإدارة الرئيس جورج بوش في معالجة الملف السوري، وبصورة خاصة الكلام عن تغيير بالقوة للنظام من الخارج.

دأبت حكومة أرييل شارون منذ إغتيال رفيق الحريري على عدم التدخل بما يجري في لبنان، لاسيما ان صدور القرار الذي يطالب بخروج القوات السورية من لبنان وتجريد حزب الله من سلاحه يلبي المطالب التي لطالما بحث بها شارون خلال لقاءاته مع جورج بوش.

وخلال السنوات الماضية تجاهل أرييل شارون الدعوات المتكررة للرئيس السوري لمعاودة المفاوضات، وعندما نشأ جدل داخل اسرائيل حول هذا الموضوع سارع شارون الى وضع حد حاسم له معلناً للجميع بصورة قاطعة أنه لايعتزم بأي صورة من الصور العودة الى طاولة المفاوضات والبحث في مصير الجولان، وهو يريد أن يركز كل جهوده لحل النزاع مع الفلسطينيين أولاًوبذلك أغلق الباب أمام أي إمكان لإعادة طرح مستقبل الجولان في المستقبل المنظور.

الموقف الاسرائيلي من سوريا يمكن تلخيصه بالآتي: ضرورة الضغط على النظام من أجل وقف حمايته للمنظمات الفلسطينية الأصولية التي تتخذ من دمشق مقراً لها وعدم السماح لشحنات السلاح بالمرور في أراضيها الى حزب الله ورفع حمايتها عن هذا الحزب. في الشتاء الماضي شنت اسرائيل حملة عنيفة على روسيا لبيعها صورايخ متطورة لسوريا، كما دأبت على توجيه اللوم الى الدول الاوروبية التي تبدي انفتاحا أوتعاوناً مع النظام السوري. الهدف الاساسي كان عزل سوريا دولياً والضغط على قيادتها السياسية من أجل لجم نشاط التنظيمات المسلحة المعادية لإسرائيل. وهذان الهدفان يتطابقان مع المصالح الاميركية.

لكن عندما بدأت تظهر ملامح تصعيد أميركي جديد ضد سوريا ينذر بتغييرات أكبر وأعمق وجدت اسرائيل نفسها في موقع لا تنطبق مصلحتها تماما مع مصلحة ادارة بوش.

ورغم كون أرييل شارون من الذين نادوا منذ وقت بعيد بضرورة تغيير طبيعة الانظمة العربية بأخرى أكثر ديموقراطية وانفتاحاً كخطوة لا بد منها من أجل التوصل الى سلام حقيقي،إلا أنه لا يرغب في الوقت الحاضر بتعريض التوازن القائم بين اسرائيل وسوريا والهدوء على الحدود بينهما الى الخطر جراء تطورات داخلية او تغييرات في النظام.

في رأي عدد من المعلقين الاسرائيليين النموذجان الافغاني والعراقي في التغيير الاميركي المفروض من الخارج لا يبعثان كثيراً على التفاؤل لا بل على العكس فإن ما يجري في العراق الآن يجعل أي تفكير في احداث تغييرات سياسية داخل سوريا أمراً محفوفاً بالمخاطر والتخوف بصورة خاصة هو من صعود نفوذ التيارات الاصولية وقيام الفوضى وانقسام المجتمع نتيجة عمليات الثأر وما قد يجره كل هذا من اهتزاز للوضع على الحدود مع اسرائيل.

وهذا الموقف يختلف عن الموقف الاسرائيلي عشية الغزو الاميركي للعراق قبل ثلاث سنوات حين كانت اسرائيل مقتنعة تماماً بصوابية اطاحة صدام بالقوة حتى أنها كانت مستعدة للمشاركة في عملية التغيير لأنها بذلك تخلصت من عدو لها على جبهتها الشرقية.

اليوم تبدو اسرائيل حذرة لا بل قلقة من خطوة أميركية متهورة أخرى من شأنها توريط المنطقة في مأزق جديد يهدد اسرائيل هذه المرة مباشرةفي رأي الاسرائيليين فإن تكثيف الضغط والاستمرار في ممارسة العزلة الدولية على النظام السوري من شأنهما حمل سوريا وقيادتها السياسية على التعاون أكثر مع الادارة الاميركية وتحقيق مطالبها بشأن المتمردين في العراق والمنظمات الفلسطينية المتشددة وسلاح "حزب الله".

مصادر
النهار (لبنان)