المخاوف التي بدأت تسكن اللبنانيين بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان الماضي وبدء تحرك "فلسطينيي لبنان" المقيمين خارج المخيمات تعتبرها جهات اميركية متابعة عن قرب لما يجري على الساحة اللبنانية مشروعة. ويعود ذلك في رأيها الى التحالف الوثيق والمزمن القائم بين سوريا وهؤلاء والى حاجة الاولى ربما اليهم والى كل من لا تزال تثق به في لبنان من شخصيات وحركات واحزاب وتجمعات في المواجهة الشرسة والصعبة التي تخوضها مع الولايات المتحدة منذ التمديد القسري للرئيس اميل لحود قبل اكثر من سنة وكل التطورات السلبية التي تسبب بها وفي مقدمها الاغتيالات والتفجيرات التي الحقت ضررا بالغا بالاستقرار الامني. لكن هذه الجهات التي تكاد ان تكون واثقة ان التحركات الاخيرة لحلفاء سوريا من "فلسطينيي لبنان" تحظى ببركة او ضوء اخضر سوريين تعتقد ان لتحركات هؤلاء على الساحة اللبنانية، اضافة الى الهدف المشروح اعلاه، علاقة بالتطورات الحاصلة بين اسرائيل والفلسطينيين وخصوصا منذ نجاح ارييل شارون رئيس وزراء الاولى في الانسحاب من غزة وبعض شمال الضفة الغربية وكذلك في اخلاء المستوطنات التي قامت في هاتين المنطقتين منذ اكثر من ثلاثين سنة. فهذه التطورات يحتمل ان تؤدي في وقت ما الى عودة الحياة على المسار التفاوضي الفلسطيني – الاسرائيلي من خلال البحث الجدي في البدء بتطبيق "خريطة الطريق" بدعم واضح وكبير من واضعها الاساسي وهو الرباعية الدولية.

طبعا لا احد في اميركا وخارجها وتحديدا في المنطقة يستطيع معرفة متى يمكن ان يحصل ذلك ومدى توافر امكانات نجاحه. لكن الاطراف الاقليميين الاخرين لأزمة الشرق الاوسط وتحديدا للصراع العربي – الاسرائيلي ولبه الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وفي مقدمهم سوريا لا يستطيعون النوم على حرير الاعتقاد ان نجاح الحركة المذكورة مستبعد او يقارب المستحيل. ولا يستطيعون الا ان يتابعوا هذه الحركة من قرب. ولا يستطيعون الا الاستعداد لافشالها وخصوصا اذا تأكد لهم انهم غير "مشمولين برعايتها" كما يقال وانها قد تتم على حسابهم. انطلاقا من ذلك ترجح الجهات الاميركية المتابعة نفسها ان الهدف الرئيسي الاخر من الحركة السورية المباشرة في لبنان ومن الحركة الفلسطينية (السورية) فيه ايضا هو افهام اميركا وتحديدا رئيسها جورج بوش ومعه رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون ان اي اتفاق مع الفلسطينيين سواء كان جزئيا او كليا سيكون مستحيلا اذا لم يكن اولا لسوريا دور فيه وثانيا اذا لم يأخذ مواقف سوريا ومطالبها ثم دورها الاقليمي في الاعتبار، وكذلك حقوقها وفي مقدمها استعادة الجولان المحتلة. وثالثا اذا لم يكن لسوريا مقعد على طاولة المفاوضات التي كثر الحديث عنها في الفترة الاخيرة. بعبارة اخرى تريد سوريا حركة ايضا على مسارها التفاوضي مع اسرائيل. لكن اميركا ومعها حليفتها اسرائيل لا تمانع في ذلك. الا ان شرطها لقبول هذا الامر ولبذل الجهود اللازمة لتحقيقه او بالاحرى شروطها كثيرة منها اقدام القيادة السياسية السورية العليا على اعادة ترتيب البيت الداخلي على النحو الذي يتحدث عنه الجميع وتخلي سوريا عن التدخل في اكثر من مكان في المنطقة وفي مقدمها لبنان والعراق فضلا عن الوضع الفلسطيني داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.

هل يرغب الرئيس الاميركي جورج بوش فعلا في ايجاد حل نهائي تدريجي طبعا للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي رغم انشغالاته الكثيرة وفي مقدمها "الحرب على الارهاب" داخل العراق وخارجه؟

المعلومات المتوافرة عند الجهات الاميركية المتابعة نفسها تشير الى ان هذه الرغبة قد تكون موجودة عند بوش. وتشير ايضا الى ان نتائج زيارة مساعدته الاقرب التي عينها قبل مدة قصيرة مسؤولة عمّا يسمى تحسين صورة اميركا في الخارج، كارين هيوز، الى عدد من دول المنطقة قد تعزز هذه الرغبة وربما تحولها في مرحلة لاحقة موقفا او ربما قرارا قابلا للتنفيذ. فهي اي (هيوز) ابلغت الى بوش وبكثير من التأكيد ان حل المشكلة الفلسطينية او الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي سيساعده وعلى نحو كبير في تطبيق سياساته الشرق الاوسطية وفي انجاحها. وهو يبدو الآن مدركا اكثر من السابق لاهمية التوصل الى الحل المذكور بل لضرورته. وتشير المعلومات نفسها ثالثا الى ان رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون قد يكون صار في وارد تحريك او بالاحرى احياء المسار التفاوضي مع السلطة الوطنية الفلسطينية ليس لان حليفه الاميركي راغب في ذلك وليس لاقتناعه اخيرا بان مصلحة اسرائيل انهاء الصراع المزمن في ظروف ملائمة جدا لها وهي ظروف قد لا تتكرر مستقبلا وليس لخوفه من تجدد الانتفاضة الفلسطينية المسلحة او من عودة تضامن العرب ضده وضد بلاده على اهمية كل هذه الاسباب والعوامل. بل لأن شارون يخشى اذا ازداد تعثر حليفه الاميركي في العراق او تفاقم ان يقرر هذا الحليف وبقيادة جورج بوش اعلان الانتصار، اي انتصار، في العراق والانسحاب عسكريا منه على عجل وان ادى ذلك الى حرب اهلية عراقية أو وإن كان الانسحاب نتيجة بدء حرب كهذه. وانسحاب كهذا ستكون آثاره سلبية على اميركا وايضا على حليفتها اسرائيل، وسيشعر بالانتصار اعداء كل منهما او بالاحرى اعداؤهما مجتمعين لان احدا منهم لا يفصل بينهما من انظمة ودول وشعوب. وستجد الانظمة العربية والاسلامية الحليفة لواشنطن نفسها معزولة شعبيا وربما مهددة. وطبيعي ان يقلق ذلك اسرائيل وحكامها رغم اطمئنانهم الى التفوق العسكري الساحق على العرب، لان الحرب البادئة منذ اعوام لا تندرج تحت عنوان الحروب النظامية. وتاليا لا تخضع لموجباتها ولا يمكن قياسها بمعاييرها.

هل يمكن ان يكون لسوريا مقعد الى طاولة حوار متجدد اسرائيلي – فلسطيني؟

ذلك يتوقف عليها تجيب او بالاحرى تكرر الجهات الاميركية نفسها المتابعة اوضاع لبنان والمنطقة، فلا احد من اشقاء سوريا وتحديدا من كبارهم ولا احد من اخصامها مثل اميركا ولا احد من اعدائها وفي مقدمهم اسرائيل يسعى الى قلبها ليس حبا بها بل حرصا على استقرار امني او ربما على امن ممسوك يؤدي فلتانه الى فوضى لا بد ان يطال ضررها المنطقة كلها، لكن اذا استمرت في سياساتها الحالية وسعت مباشرة الى تعطيل التحرك "المرتقب" الفلسطيني – الاسرائيلي او الى تفخيخه فان كل هؤلاء سيقفون في مواجهتها بعضهم علنا وبعضهم (العربي طبعا) ضمنا.

طبعا لا يعني ذلك، تستدرك الجهات الاميركية نفسها، ان الحركة على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي صارت مضمونة الحصول. اذ لا بد اولا من انتظار اجتماع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) ورئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون. ولا بد ثانيا من انتظار نتائج اجتماع كهذا في حال انعقاده.

مصادر
النهار (لبنان)