لو أنني كنت محرر هذه الصحيفة، لوضعت مقالة الخميس الماضي مع التقرير الاخباري ، تحت عنوان رئيسي بارز يقول ، ان مفجرا انتحاريا مسلما سنيا هاجم مسجدا شيعيا في الحلة يوم الأربعاء الماضي، وهو أول ايام رمضان بالنسبة للشيعة، وفجر نفسه فقتل ما لا يقل عن 25 من المصلين وجرح ما يزيد على 87. وكان المصلون قد جاءوا الى المسجد ليس فقط ليعلنوا عن بداية شهر رمضان المبارك، وإنما أيضا لتأبين صاحب مطعم شيعي كان قد قتل على يد المتمردين قبل ايام قليلة. وهذا الهجوم، الذي لم يتلق اهتماما كبيرا، يستحق المزيد، لأنه جوهر مشكلة الارهاب الذي نواجهه الآن.

فعندما لا يتمتع المتمردون المسلمون السنة بالاحترام لحرمة حياة المسلمين، وبيوت عبادتهم وأيامهم المقدسة، وما من احد من جماعتهم السنية الأوسع يتحرك فعلا لمنعهم، فانه لم تعد هناك بالتالي حدود. وما من أحد آمن. فكل شيء يمضي ضد أي شخص في أي مكان. وإذا لم يتحرك العالم الاسلامي السني لإيقاف هذه المذبحة وحملة التطهير الاثني ضد شيعة العراق، التي اشتملت هذا الأسبوع على سحب معلم من غرفة الدرس وقتله بإطلاق الرصاص عليه أمام طلابه، فان العالم السني سيواجه الدمار في خاتمة المطاف، بسبب هذا العنف بالذات. فالحضارة التي تتسامح مع التفجير الانتحاري هي ذاتها ترتكب الانتحار.

وما يصعب تفسيره بالنسبة لي أن فريق بوش، الذي رأى أخيرا المبرر الصحيح لشن الحرب في العراق، أي مساعدة العرب على اقامة مكان في قلب عالمهم، حيث يمكنهم خلق مستقبل متقدم مناسب، بدلا من التحرك بلا هدف، في ظل الأوتوقراطيين والتغني بأمجاد الماضي، ان هذا الفريق صامت هو الآخر. وبدلا من التوجه الى الأمم المتحدة والسعي الى قرار يعلن أن الارهابي السني أبو مصعب الزرقاوي وأقرانه هم مجرمو حرب، فإنها ترسل كارين هيوز في جولة في العالم العربي حتى تتعرض الى سياط النساء المسلمات السنيات، وما يقلنه لها عن كوننا شنيعين ومكروهين.

ويسمى فريق بوش ذلك النشاط «دبلوماسية عامة». وأنا أسميها خسران حرب العلاقات العامة لصالح مرتكبي القتل الجماعي.

نعم، نحن ايضا منافقون. اعتقد ان الانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق السجناء في العراق وأفغانستان (من الواضح اننا عذبنا حتى الموت أعدادا من السجناء) ستظل وصمة في جبيننا جميعا. ولكن لدينا على الأقل اجهزة إعلام ونخبة دينية ومحاكم تكشف تفاصيل مثل هذه الممارسات، وأغلبية في مجلس الشيوخ تعمل الآن على وضع حد لذلك.

طبقا لما اشارت اليه منظمة «هيومان رايتس ووتش» في تقريرها الصادر بتاريخ 3 اكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لا يمكن ان تبرر هذه الانتهاكات الهجمات التي يشنها المتمردون العراقيون على المدنيين، ذلك أن هذه الهجمات، طبقا لما ورد في التقرير، «تشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وتعد جرائم حرب وفي بعض الحالات جرائم ضد الانسانية». ويجب ليس فحسب ان تتوقف جماعات المتمردين عن شن هذه الهجمات، بل ينبغي ايضا على القادة السياسيين ورجال الدين في العراق والدول الاخرى، الذين عبروا عن تأييدهم للتمرد، ان يدينوا استهداف المدنيين.

من النادر ان نجد قيادات عربية او رجال دين من السنة العرب يدينون بتكرار ابو مصعب الزرقاوي او اسامة بن لادن بالاسم. وهذه في حد ذاتها مشكلة، لأن السبيل الوحيد لوقف هذا الإرهاب الذي نشهده الآن من اندونيسيا الى العراق ومن مدريد الى لندن، يتمثل في إدانة واضحة ومباشرة للإرهاب وكل من يشارك فيه، من جانب السياسيين والآباء والأمهات في هذه المجتمعات السنية.

يقول القادة الغربيون عقب كل هجوم ارهابي ان «ما حدث لا علاقة له بالإسلام»، فيما هناك علاقة بالطبع بين ما يحدث وبين الإسلام كدين. فهو في الواقع يتعلق بحرب داخل الاسلام بين أقلية فاشية متورطة في جرائم ضد الانسانية باسم الاسلام وأقلية سنية سلبية صامتة. إنني متأكد ان الكثير من هؤلاء السنة يشعرون ببشاعة وفظاعة اعمال العنف ضد المدنيين العراقيين، لكنهم يشعرون بخوف بالغ ويفتقرون الى القيادة الاخلاقية او انهم مناوئون للشيعة وليسوا على استعداد لاتخاذ أي خطوة.

أكرر، ان الحضارة التي تتحمل الإبادة الانتحارية سيفترسها في نهاية الأمر متطرفوها من الداخل، فيما سيبقيها اصدقاؤها في الخارج داخل الحجر الصحي.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)