يتفق غازي كنعان مع الكثير من «رفاقه» في اعضاء القيادة السورية، في كونه دخل عالم السياسة من البوابة الأمنية والفضاء العسكري، فكانت مسيرته منذ ولادته في اللاذقية عام 1942 الى حين انتحاره مشابهة لحياة كثيرين من «النخبة» الحاكمة التي تدرجت بين العمل العسكري والأمني.

لكن الفترة التي امضاها قائداً لـ «جهاز الأمن والاستطلاع» في لبنان بين عامي 1982 و 2002، تركت بصماتها في اكتسابه الحنكة السياسية والقدرة على ربط التحالفات السياسية بين فرقاء سورية وخصومها، او ما يتعلق بمستوى «الخيبة الكبيرة» التي واجهته في الفترة الأخيرة لدى تعرضه لانتقادات لاذعة تتعلق بالفساد ودوره في لبنان وآخرها ما ظهر من على شاشة تلفزيون «نيو تي في» اللبناني.

تخرج كنعان في الكلية الحربية في حمص عام 1965 في الفترة التي تلت تسلم حزب «البعث» الحكم في سورية في 1963. ونتيجة الدور الذي لعبه نهاية الستينات وفي «الحركة التصحيحية» التي قام بها الرئيس حافظ الأسد عام 1970، تسلم رئاسة استخبارات المنطقة الوسطى.

ويروي مقربون من كنعان ان هذه المرحلة اكسبته الكثير من «الحنكة التفاوضية» و«الحسم الأمني»، بقدرته على مواجهة العملية التي كان ينفذها تنظيم «الأخوان المسلمين» في المنطقة السورية الوسطى التي تمتد الى الحدود مع العراق. وعلى هذا الاساس، اختاره الرئيس الراحل كي يتسلم «جهاز الأمن والاستطلاع» في لبنان، ليضيف الى استعداده السياسي خبرة نادرة، مختلفة كثيراً عن التجربة السورية. تجلى ذلك في اقامته علاقة صداقة وتحالف في لبنان مع الزعماء السياسيين، خصوصاً مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، و «تنسيق» مع نائب الرئيس السوري سابقاً عبدالحليم خدام ورئيس الأركان السابق العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق العماد علي دوبا.

وبقي «ابو يعرب» (نسبة الى ابنه البكر، علماً ان له اربعة ابناء وابنتين) في منصبه الى نهاية عام 2002، حيث ذهب منصبه الى نائبه العميد رستم غزالة، وانتقل الى رئاسة شعبة الأمن السياسي، خلفاً للواء المتقاعد عدنان بدر حسن، فعمل (كنعان) خلال تسلمه هذا المنصب لفترة سنتين لتقوية الشعبة التي تتبع وزارة الداخلية التي كان يشغل حقيبتها اللواء علي حمود (عمل معه في لبنان). وبرز حضور شعبة الأمن السياسي بقوة في الساحة السورية، كما ان كنعان واصل «التعاون الأمني» مع تركيا بصفته رئيساً لـ «الشعبة» وكان احد الذين فاوضوا لتوقيع اتفاق اضنا الأمني في تشرين الأول (اكتوبر) 1998، والذي قضى بـ «تعاون» الطرفين في محاربة حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان.
وبسبب قرب تقاعده من رتبته لواء في الجيش السوري لبلوغه السن القانونية، عين كنعان في ايلول (سبتمبر) 2004 وزيراً للداخلية بصفته المدنية، وسعى الى تقوية حضور وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها. وقيل اكثر من مرة انه امر بسجن ضباط كبار نتيجة مخالفتهم اوامر عسكرية، او بسبب قضايا تتعلق بالفساد.

وكان اللواء كنعان احد الذين طلب رئيس فريق التحقيق الدولي ديتليف ميليس لقاءهم في اطار التحقيقات في اغتيال الحريري. لكن واشنطن استبقت هذه الخطوة بإعلانها بداية تموز (يوليو) الماضي «تجميد اصول وممتلكات» كنعان وغزالة، الأمر الذي قوبل بانتقاد رسمي سوري، مع الإشارة الى ان هذه «الخطوة اتخذت بصفته الشخصية وليس الرسمية».

وتردد إعلامياً ان ميليس استمع الى شهادة كنعان في قضية اغتيال الحريري، خلال مهمته التي شملت الاستماع الى شهادات سبعة مسؤولين في 21 الشهر الماضي، لكن دمشق لم تعلن أي شيء رسمي، سوى ما قالته مصادر سورية لـ «الحياة» من ان ذلك حصل لأن كنعان كان رئيساً لجهاز الأمن في لبنان وليس بصفته وزيراً للداخلية. ثم اعلن في بيروت ان ميليس طلب «رفع السرية المصرفية» عن حسابات باسم كنعان في لبنان، من دون أي تعليق رسمي سوري.

ونقل لـ «الحياة» امس عن كنعان قوله: «تعاونا مع ميليس الى ابعد الحدود، وهدفنا حقيقة جريمة اغتيال الحريري لأن اظهارها كاملة مصلحة لسورية بمقدار ما هي مصلحة عربية ولبنانية».

لكن «اكثر ما آلم» كنعان في الفترة الأخيرة، هو الهجوم الذي تعرض له بسبب اتهامات تتعلق بالفساد. وقال المحلل عماد فوزي شعيبي لـ «الحياة» امس انه سمع من كنعان انه «يشعر بقلق عنيف لما يحصل في لبنان ويشعر بأن كل جهوده لحماية لبنان من التقسيم بدأت تضيع في مناخ التدويل، وبعد اغتيال الحريري»، وأنه اعتبر إطلاق قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع «مقدمة للسير في التقسيم الطائفي من العراق الى لبنان»، بين عامي 1982 و 2002.

ونقلت مصادر إعلامية عن كنعان قوله: «هناك محاولات لتخويف سورية وثنيها عن مواقفها القومية. لسنا خائفين ولن نخاف ابداً»، لافتاً الى ان «بعض الرموز اللبنانية يحاول دفع الأمور في اتجاه معاداة سورية من خلال تسييس التحقيق في الجريمة النكراء (اغتيال الحريري) التي خطط لها ونفذها مرتكبوها لاستهداف المنطقة العربية ككل وتمرير مخططاتهم».

وظهرت اشاعات سابقاً عن احتمال فقدان اللواء كنعان منصبه في وزارة الداخلية في أي تغيير حكومي متوقع. لكن التغيير الذي كان منتظراً منذ عقد المؤتمر القطري العاشر لـ «البعث» الحاكم، ارجئ مرات بحيث لم يعد مطروحاً.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)