كوقع الصاعقة، سقط خبر ’’انتحار’’ اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السورية في مكتبه أمس، على مختلف الأوساط والدوائر السياسية التي تتابع عن كثب ملفات لبنان وسوريا الملتهبة والمفتوحة على المجهول بشتى احتمالاته وسيناريوهاته.
’’الجنرال’’ الذي حكم لبنان لعقدين من الزمان، خبر أرضه حجرا حجرا، وعرف زعامته وقياداته ورجال أعماله فردا فردا، ’’الرجل الذي كان يذبح أتخن شنب بظفر إصبعه الصغيرة’’، على حد وصف بعض اللبنانيين لرجل سوريا ونظامها الأمني في لبنان...’’الجنرال’’ الذي قضى حياته في قلب صخب لبنان ومعادلاته وطوائفه وأحزابه، قضى وحيدا في مكتبه ووزارته، من دون أن نعرف، وقد لا نعرف أبدا، ما إذا كان قضى منتحرا أم منحورا؟. ولتوقيت الحادثة، دلالة لا تخطئها العين، فالرجل ظل طوال الأشهر التي أعقبت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في قلب دائرة الاهتمام والاتهام، وتردد اسمه أكثر من غيره على الصفحات المسربة من تقرير ديتليف ميليس المنتظر بفارغ الصبر، قضى قبل تسعة أيام فقط من موعد نشر التقرير0
في ’’خطبة الوداع’’ المعدة بإحكام على ما يبدو، قال الرجل كلاما قويا لتبرئة ساحته وساحة من يمثل، وأعلن بفمه الملآن، وبلغة لا ترتجف ولا تقبل التردد والتفسير والتأويل، أنه يدلي بآخر حديث صحفي، لكأن الرجل وقد استشعر موقعه كهدف مقبل وكبش فداء محتمل، آثر الانتحار، مفضلا قراءة وصيته على الهواء مباشرة بدلا عن كتابتها - تماما كما يفعل الاستشهاديون - الذين عرف الجنرال الكثيرين منهم وخبر طقوسهم وعاداتهم. أو لكأن الرجل وقد ضاقت به الأرض بما رحبت، آثر أن يخرج للملأ، وعبر أول منبر إعلامي متاح، ليقول كلمته الأخيرة 0
غياب كنعان ، لن يغلق الملفات جميعها، ولن يسهم في حل استعصاءات ميليس وتوصياته وخلاصاته، بل أن الأمور قد تزداد تعقيدا في وجه سوريا 0 غياب رجل سوريا المحوري في لبنان، وأحد أعمدة نظامها الأمني لسنوات وعقود، سيزيد المشهد غموضا وتعقيدا، وسيفتح الباب أمام تأويلات وتفسيرات متعددة، ربما تملي على ميليس تمديد مهمته وتسريعها لإدراك من يمكن تداركه من بقايا الشهود والمتهمين.

مصادر
الدستور (الأردن)