قد يكون انتحار وزير الداخلية السورية اللواء غازي كنعان، هي شهادة جديدة على ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري خرجت من اطارها السياسي العام، اللبناني والسوري والدولي، لتتحول الى قضية خاصة يغلب عليها الطابع الشخصي ويحكمها في بيروت وفي دمشق وايضا في باريس وواشنطن ..والرياض طبعا.
لن يساهم الانتحار في دفع التحقيق الدولي، الذي انهاه القاضي الالماني ديتليف ميليس نحو المزيد من الاستثمار السياسي، بل ربما ادى الى العكس تماما، ما يعني حصره من الان فصاعدا في الاطار الجنائي المحدود في المتورطين المباشرين في التنفيذ وفي اخفاء الادلة. وهي مهمة يمكن ان يقوم بها القضاء اللبناني وحده بمساعدة دولية ما.
وبهذا المعنى يمكن القول ان غياب كنعان في هذا الوقت بالذات، يفتدي في المقام الاول التحقيق الدولي الذي بلغ مرحلة حرجة حيث يجري البحث هذه الايام عن مخرج لائق لا يسيء الى ذكرى الضحية ولا يتسبب بخلل جوهري في السياق السياسي العام للوضع في لبنان وفي سوريا. وثمة من يقول انه تم العثور على مثل هذا المخرج قبل الاعلان عن انتحار وزير الداخلية السورية: لم يكن الهدف الدولي في أي يوم من الايام تغيير النظام السوري، بل تغيير سلوكه، من دون اللجوء الى المزيد من العقوبات الدولية، بل الاكتفاء بالبيانات والتصريحات الدبلوماسية التي تنذر دمشق بان الوقت ينفد.
لكن تحولات عديدة طرأت في الاونة الاخيرة، ولعلها ساهمت الى حد ما في انتحار كنعان، وهي ان الهجوم الدبلوماسي الاميركي والاوروبي على سوريا تراجع الى حدوده الدنيا، لا سيما بعدما تلقت واشنطن تحذيرات تركية واسرائيلية ومصرية طبعا من مغبة المضي قدما في مثل هذا الضغط النفسي المفرط على دمشق، الذي يمكن ان يكون له مردود عكسي او ربما يؤدي الى معضلة اسوأ من المعضلة العراقية. وقد شعرت سوريا حتما بهذا التراجع الدولي وشرعت في شن ما وصفه البعض بهجوم مضاد بلغ حد التلويح بفتح ابواب جهنم في وجه الاميركيين..
لكن هذه العودة بقضية اغتيال الحريري الى اطارها الشخصي الضيق لا يعني طي ملفها، لان كنعان لن يكون الضحية الوحيدة للتحقيق في لبنان وسوريا على حد سواء. ثمة حاجة الى المزيد من الضحايا لكي تعطي المجتمع الدولي مبررا كافيا للقول انه لم يتخل عن طلب العدالة في جريمة كبرى، لكنه فقط اختار الطريق الاسلم الذي لا يؤدي الى تقويض الاستقرار اللبناني والسوري، والتسبب بازمة اقليمية جديدة.
ليست نهاية المطاف، لكنها بداية مسار مختلف للتحقيق الدولي، والتوظيف الاميركي والفرنسي للجريمة الكبرى التي لم يبق منها سوى بعض الاحقاد والمشاعر الشخصية في باريس وبيروت والرياض.. وربما واشنطن.

مصادر
السفير (لبنان)