السجال او التراشق مع اعلام الانظمة التوتاليتارية، وخصوصاً عندما تكون هذه في مرحلة هابطة لا هوادة فيها، غير مفيد على الاطلاق. لذلك نرى ان ما يصدر منذ فترة عن اعلام النظام في سوريا لا يستأهل ادنى التفاتة من اعلام حر وديموقراطي ومتميّز.

اما حديث احد اركان النظام السوري في جنازة اللواء غازي كنعان، فيستدعي وقفة من اجل الاضاءة على مستوى التفكير ووجهته لدى نظام يأبى ان يأخذ اجازة، وان للحظة، من مهنة ارتكاب الاخطاء ومراكمتها. فأن يقول السيد فاروق الشرع ان الاعلام اللبناني هو بمعنى من المعاني قاتل اللواء غازي كنعان، يتخطى والله مستوى ادراك البشر العاديين مثلنا نحن معشر الصحافيين اللبنانيين! فلو ان مقالاً او تقريراً صحافياً، او شريطاً تلفزيونياً يتسبب في انتحار رجال مثل غازي كنعان، لقضى كل رجال النظام السوري انتحاراً، ولما بقي احد من رأس الهرم الى قاعدته.

لا نقول هذا الكلام دفاعاً عن اعلام لبناني بعضه يدافع عن النظام في سوريا اكثر مما يدافع عن اولاده، وبعضه الآخر – كما في قضية كنعان – يعكس بأمانة صراع مراكز القوى في النظام السوري نفسه، فيهاجم بعضه لحساب بعضه الآخر، والامر واضح وضوح الشمس. لذلك نقول لفاروق الشرع: دع الاعلام اللبناني جانباً، لان الحرية والتنوّع فيه امران بعيدان عن ادراك بقايا الستالينية العربية.

والاعلام اللبناني على اختلاف مشاربه (بما فيه ذلك المستميت في الدفاع عن اخطاء النظام السوري في لبنان) يبقى شمساً تشرق على عالم عربي ظل طويلاً رهينة انظمة اعتاشت من الصراع العربي – الاسرائيلي، وباسم المعركة والدفاع عن العروبة قتلت الانسان العربي. ومن لم تقتله، كسرته، ومن لم تكسره رمت به خارجاً ودفعته الى الهجرة. انظمة كانت تنهزم فتدعي الانتصار. انظمة كانت تصنع الشعارات: حرية وحدة اشتراكية، امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة... وتنفذ سياسات مغايرة فتنحر الحريات وتخلق الصدوع الاجتماعية في الداخل والانقسامات القطرية في الخارج، وتذبح ابناءها وابناء القضية المركزية: الفلسطينيين. انظمة بددت ثروات بلدانها في الفساد والسلاح الفاسد والادارات الفاسدة والمعارف المتخلفة والثقافة الموجهة والاعلام المعلّب. انظمة ثورية تحولت جمهوريات وراثية في حين كانت الملكيات والمشيخات تنتهج الدستورية. انظمة لم يعرف بعضها ان زمن القتل والاغتيالات ولّى، وقد بلغ فيها الانطواء على الذات مبلغاً جعلها عمياء لا ترى التحولات من حولها. فلا هي رأت سقوط جدار برلين، ولا ايقنت معنى انهيار الاتحاد السوفياتي، ولا استوعبت دروس الحادي عشر من ايلول 2001. وبالقطع لم تر وتفهم وتستوعب ما جرى في بغداد في نيسان 2003. وهي بالتأكيد ترفض مجرد التفكير في انه كان للبنان ايضاً ربيع سنة 2005.

قصارى القول ان ملاحظة الوزير فاروق الشرع الركن الكبير في النظام السوري ان الاعلام اللبناني مسؤول عن اغتيال، عفواً انتحار، الوزير غازي كنعان تشي بمآل احوال النظام برمته. انها مرآة عاكسة لأزمة بقاء.

مصادر
النهار (لبنان)