رغم استعمال المجتمع الدولي ولا سيما الاميركي لغة واحدة تقريبا في الحديث عما يوصف بـ"الدول المارقة" التي غالبا ما يعني بها الرئيس الاميركي جورج بوش سوريا وايران على حد سواء ، فان النظرة حيال كل منهما مختلفة جدا وكذلك التعامل مع كل من طهران ودمشق. وليس معروفا عن الاوروبيين مثلا تحبيذهم ما يقوم به النظام الايراني في الوقت الذي كان وفد اوروبي مشترك من فرنسا والمانيا وبريطانيا يفاوض الايرانيين على سبل استخدام الطاقة النووية التي يملكون. لكن هؤلاء ، وكل من موقعه، يتشاركون في اعتبار الايرانيين على قدر من الحنكة والمرونة بحيث يعرفون الاستفادة من اللحظة المناسبة للتراجع والعودة الى طاولة التفاوض بحيث لا تصل الامور بين طهران والمجتمع الدولي الى نقطة الخطر او اللاعودة . ومع ان الاميركيين يراقبون عن بعد المفاوضات الاوروبية مع ايران، فانهم يحتفظون بانطباع عن السياسيين الايرانيين وطريقة ادارتهم ملف الطاقة النووية بذكاء كبير حتى في لحظة التهديد باحالة الموضوع الايراني على مجلس الامن والاتصالات الدولية للقيام بذلك، رغم معرفتهم المسبقة بان ايران ستبذل جهودا كبيرة من اجل تجنب هذه الكأس لعدم رغبتها في ان تكون دولة مثل كوريا الشمالية او سواها من الدول المماثلة . فالمجتمع الدولي يثق بان ايران ستتخذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة في حين ان مسؤولين دوليين كثرا يرون ان سوريا تصل الى القرار المناسب متأخرة خطوات الى الوراء . وهذا الامر ليس جديدا بل بات معهودا يتصرف المجتمع الدولي مع سوريا على ايقاعه ويوظفه لمصلحته. ويستشهد البعض بكلام الرئيس بشار الاسد في حديثه الاخير الى محطة سي.ان.ان عن فتح المجال امام تسليم متورطين سوريين محتملين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري واعتباره هؤلاء بمثابة خونة ، في حين انه كان ساهم في استيعاب تداعيات الجريمة لبنانيا وسوريا ودوليا لو انه اعلن موقفا مماثلا قبل اشهر. ومع ان ما قاله ايجابي في لحظة خطرة جدا على سوريا قبيل ايام قليلة من تقرير ميليس، فان توقيته قد لا يكون كذلك بالنسبة الى التقويم الغربي في هذا الاطار ، فضلا عن اعتبار كثيرين انه قد لا يخدمه في الواقع لان المجتمع الدولي ليس في وارد " التفاوض " مع سوريا في هذه الايام اي قبل التقرير، انطلاقا من قاعدة ان ما يمكن ان تدفع الاموال لاجله راهنا قد يغدو غدا مجانا . حتى ان كل الكلام على زيارات مسؤولين وديبلوماسيين لسوريا لا قيمة له ولا يعبر عن حركة يمكن التعويل او البناء عليها على غرار ما تذهب بعض التفسيرات عن اي اتصال او اي زيارة يقوم بها زائر اجنبي لدمشق هذه الايام.

ورغم ان سوريا وايران تتشاركان في جملة امور ليس اقلها الموضوع العراقي ، عدا انهما دولتان حليفتان، فان اسلوب التعاطي الدولي والاميركي تحديدا مع كل منهما مختلف كليا رغم التهديدات الموسمية ولدى اشتداد حدة التأزم باحتمال القيام بضربة عسكرية لايران او سوريا على سبيل تشديد الضغط عليهما. وتبدو وحدة الموقف الاوروبي والاميركي مماثلة بالنسبة الى دمشق وطهران، وخصوصا ان التنسيق الاميركي مع فرنسا وسواها من دول الاتحاد الاوروبي قوي في الموضوع الايراني، تماما كما هو الان في المواضيع الاخرى كالموضوع العراقي او السوري او حتى الفلسطيني الاسرائيلي على نحو يجعل هامش الحركة صعبا . لكن مصادر مطلعة تقول ان النظرة الى الادارة السياسية لكل من البلدين تختلف. حتى ان ديبلوماسيا غربيا كبيرا حين سئل عن موضوع يتصل بالدولتين المعنيتين استعار عبارة لمسؤول كبير في دولة تشارك حدودها مع ايران وسوريا مفادها ان احد جيراننا ذكي جدا في حين ان الاخر لا يتمتع بهذه الصفة. وفي الوقت الذي تبدو سوريا في ذروة الخطر نتيجة اعتبار الولايات المتحدة انها لا تفعل شيئا لوقف عمليات التسلل عبر حدودها الى العراق، لا تبدي الولايات المتحدة الحدة نفسها راهنا حيال ايران في هذا الموضوع. بل ان التركيز كله على سوريا وحدها.

بعض المتابعين يعتبرون ان التركيز الاميركي على سوريا وللاعتبارات المعروفة من اتهامها بعدم ضبط الحدود مع العراق الى اتهامها باستمرار التدخل في الشأن اللبناني كما في الشأن الفلسطيني والذي يرمي الى "عزل" سوريا ان لم يكن الى اكثر من ذلك ، يصيب ايران ايضا او هو محطة عبور الى اصابة ايران باعتبار ان سوريا هي الحليف العربي الاساسي الوحيد لها مما يفقد ايران سندا قويا يدفع بها الى تليين مواقفها وتقليص موقعها او امتدادها. الا ان الديبلوماسيين الغربيين يميزون الى حد بعيد بين الجانبين، رغم هذه الصلة، واستهداف كل منهما، ويعتبرون ان ما لحق بسوريا في العام الماضي تسببت هي به لنفسها ولم يدفعها احد اليه، في حين ان موضوع ايران قائم منذ اعوام بين مد وجزر تفاوضيين لم يفرضا على طهران حتى الان العزلة التي فرضت على سوريا والتضييق الديبلوماسي عليها، حتى ان الرئيس الايراني شارك في القمة العالمية التي عقدت في نيويورك في ايلول الماضي وكان المجال الديبلوماسي والسياسي مفتوحا امامه، الامر الذي لا يصح بالنسبة الى الرئيس السوري. وبالنسبة الى هؤلاء يسهل استحضار الاسباب التي تبرر الازمة السورية او الازمة الايرانية مع المجتمع الدولي، لكن هذا المجتمع يميز بينهما كليا.

مصادر
النهار (لبنان)