كيف ينظر المثقفون السوريون إلى العلاقة السورية الأمريكية المتوترة؟ هل هي مرشحة للتصاعد، وصولا إلى صدام عسكري كما جرى في العراق؟ أم أن الأمور الخلافية بين الإدارة الأمريكية وسوريا يمكن احتوائها بما يقلل من احتمالات لجوء الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام الخيار العسكري. ما الذي تريده الولايات المتحدة من سوريا؟ وهل تقديم سوريا لتنازلات في الملفات الإقليمية الرئيسية الثلاثة، العراق، لبنان، فلسطين، سيوقف الضغوط الأمريكية على الحكومة السورية؟ أم أن المطالب الأمريكية ستستمر وتتصاعد حتى تغيير نظام الحكم السوري؟ هذا هو موضوع استفتائنا، الذي شارك به عدد من المثقفين السوريين، وراعينا قدر الإمكان أن نعكس تنوع وجهات النظر في الشارع السياسي السوري، فيما يخص النظرة والإجابة عن التساؤلات السابقة:

هل تتكرر مغامرة بوش أم أن التوتر قابل للاحتواء؟

الدكتور عماد فوزي الشعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية بدمشق:

سوريا تنتهج السياسة الواقعية والبراغماتية التي ترى بأن كل شيء في السياسة يجب أن يكون له مقابل.

إن العلاقات السورية الأمريكية لا تسير نحو التحسن على المدى المنظور، ومن الملاحظ أن هناك لغتين بين الطرفين وعقليتين في الوقت نفسه.. العقلية السورية ترى أنه من الضروري أن يكون لسوريا هامش وأن يكون لها في هذه الحالة وزن إقليمي لا يجوز المس به، إضافة إلى أن سوريا تنتهج السياسة الواقعية والبراغماتية التي ترى بأن كل شيء في السياسة يجب أن يكون له مقابل.

الطرف الأمريكي يرى الأمور بعقلية مختلفة.. يرى أنه منتصر في الحرب العالمية الثالثة ضد الاتحاد السوفييتي والآن منتصر أيضاً في العراق، وأن جميع الدول التي خالفت الولايات المتحدة يجب أن تعاقب باعتبارها لم تكن مع هذه الحرب بالإضافة إلى ذلك من خلال تجربتي مع العديد من المسؤولين الأمريكيين فإن هناك شيئاً من عدم صدقية المعلومات لديهم، بمعنى ما نقرأه في الصحف الأمريكية يتم تداوله كما وأنه حقيقة وهذا أمر يطرح عدة أسئلة:

أولاً أين المخابرات المركزية الأمريكية ال (سي.آي.ايه)، وهل هناك من يخفي تقاريرها عن واقع التعاون السوري في الحدود مع العراق؟ أم أن هناك محاولة فعلا للإظهار وكأنهم لا يعرفون؟.

من خلال تجربتي أقول إنهم لا يعرفون، وأن هنالك فعلا من يخفي هذه المعلومات عن الطرف الفاعل في وزارة الخارجية الأمريكية وبالتالي هذا يرشح الطرفين لسوء فهم متنام. السوريون يتصورون بأن الأمريكيين يعرفون ويتكتكون عليهم ويحاولون أن يبتزوهم بتنازلات متنامية دون مقابل لها، والطرف الأمريكي يعتبر السوريين بأنهم لا يتجاوبون بأي حال من الأحوال. وهذا السوء في التفاهم بين لغتي الطرفين لا يفسح بالمجال أمام نمو علاقات متوازنة بينهما.

الأهم من هذا أن السفارة الأمريكية في سوريا في هذه الحالة لا تقوم ربما بواجبها، أو في حال كونها تقوم بواجبها فإن تقاريرها لا تصل إلى الطرف المسؤول في الولايات المتحدة الأمريكية وأعتقد جازماً أنه يبدو هناك توجهات لبرمجة علاقة غير سوية بين الطرفين من خلال مساع تجري من قبل المحافظين الجدد في فعل كهذا.

وأنا فعلاً مقتنع بأن وزارة الخارجية الأمريكية تعيش تضليلاً حقيقياً إما ناتج عن سوء معلومات تأتيهم، وهذا ثُبت في تقديرهم لإيران قبيل إزاحة الشاه، وثبت أيضاً في موضوع العراق، وبالتالي المخابرات الأمريكية، ليست كلية القدرة كما نحن نتوهم على الأغلب، ويبدو أنها فعلاً تعيش نموذجاً من نماذج التضليل المعلوماتي، بمعنى أنهم يفكرون بالطريقة الأمريكية، ويبحثون عن المعلومات بالطريقة الأمريكية، لذلك لا يصلون إلى نتائج مطابقة للواقع السوري لأن العقليتين مختلفتين.

انطلاقاً من هذا أنا على قناعة أن العلاقات السورية الأمريكية مرشحة لمزيد من التدهور، خاصة بعد القرارين /1559/ و/1595/.. فأنا أقدر أن هنالك محاولة لعزل سوريا وهذا سوف تكون له مفاعيل سيئة ومع ذلك عدم التجاوب ومع سوريا في هذه الحالة سيكون له أمر سلبي جداً في المرحلة القادمة.

وأرى أنه يجب تقريب وجهات النظر والفهم بين الطرفين، ويجب التوصل إلى إزالة للمأزق بين الطرفين، وإلا فإن الأمور ليست لصالح سوريا، ولا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية. أمريكا ارتكبت حماقة كبيرة باحتلال العراق، وجعلته بؤرة لإرهاب “القاعدة”، وخلقت “قاعدة” جديدة في العراق وفي المنطقة وفي كل مكان، وهي تتنامى، وبدأت هذه القاعدة تنمو باتجاه سوريا بشكل “قاعدة” جديدة فيها، أي تنظيم قاعدة جديد في سوريا حتى لو كانت شراذم صغيرة من مستوى “جند الشام” وغير ذلك، ولكن هذا من المرشح أن يتنامى، لأن هذا المناخ الذي يؤكد اللاعقلانية السياسية التي تتمتع به الأيديولوجية التي تحكم الولايات المتحدة الأمريكية سيؤدي بالنتيجة النهائية إلى هذا الدمار.

الأزمة نحو التصاعد

ميشيل كيلو (مفكر):

يجب مراعاة المصالح الأمريكية، وتحاشي الدخول في معركة كسر عظم معها.

النظام السوري يمر في حقبة انتقالية تفرض عليه تجديدات وإصلاحات تتناقض مع طبيعته.

بعد سنوات كثيرة، كانت العلاقات السورية الأمريكية متقلبة خلالها، فهي تارة حسنة وطوراً متوترة. وبعد حسابات كثيرة أجرتها السياسة السورية بخصوص علاقاتها مع أمريكا، تركزت على ضرورة مراعاة مصالح واشنطن في المنطقة العربية، وتحاشي الدخول في معركة كسر عظم معها، باعتبارها القوة الدولية الثانية الضامنة لنظام إقليمي لها فيه مصالح ومواقع على قدر هائل من الأهمية تتصل بأمنها القومي المباشر. دخلت علاقات سوريا مع أمريكا في العامين الأخيرين إلى منطقة التجاذب والتصارع، وتخلت واشنطن عن سياستها التقليدية تجاه دمشق التي رأت فيها قوة إقليمية ضرورية لاستقرار الشرق الأوسط، من المهم أن تتفاهم معها وتتفهم دورها في لبنان والعراق وفلسطين والمشرق العربي عموماً، وشرعت تأخذ بسياسة تنهي عملياً دور سوريا الإقليمي الذي تشكل في أواسط السبعينات بالتوافق مع أمريكا، مع ما يعنيه تخليها عنه في نتائج داخلية وإقليمية كارثية بالنسبة إلى النظام السوري الذي كان قد رتب أموره على هذا الدور، ورتب أوضاعه الداخلية بطريقة تجعله قادراً على الاستجابة لمتطلباته في أي وقت وظرف، ويجد نفسه اليوم أمام مطالبات بتسليمه من دون ان يكون لديه بديل، أو تعرض واشنطن عليه بديلاً، علماً بأن أوضاعه تمر في حقبة انتقالية صعبة تفرض عليه تجديدات وإصلاحات تتناقض مع طبيعته، تهدد بنيته وهياكله ووظائفه وشرعيته، يصعب عليه قبولها، كما يصعب عليه رفض القيام بها، حتى ليمكن القول إن أمريكا تصطاد النظام السوري في لحظة مفصلية، وتسدد نيرانها على مقاتله، مع أنه يبدي طيلة الوقت استعداده للاستماع إليها، ولتفهم حاجاتها ومصالحها ويدعوها بالمقابل إلى فهم حاجاته وقبول مصالحه.

واليوم تقدم الطريقة التي تستغل أمريكا من خلالها قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري مثالاً يكاد يكون مصوباً على أهداف وتصرفات الجانبين، يضمر ملامح صورة المستقبل كما يريده كل منهما. إذ بينما أمريكا تؤكد تصميمها على ممارسة قدر من الضغط على النظام السوري يكفي لإفقاده توازنه، يحاول هو التملص، ويفعل ذلك بطرق ناقصة ومليئة بالأخطاء وبطيئة، مما يساعدها (المقصود أمريكا) على إلصاق صورة سلبية به، تجعل منه نظاماً خارجاً على القانون، يرفض التعاون مع هيئات الأمم المتحدة ومنها لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري، ويدعم الإرهاب في العراق، ويقف في صف معارضي التسوية السلمية في فلسطين، في حين يرد هو بأنه لن يسلم أوراقه التي تتساقط من يده واحدة بعد أخرى، وخاصة منها أوراقه الدولية الفاعلة، التي بوسعها حمايته وتحسين مواقعه تجاه واشنطن، والعربية، التي لطالما لعبت دوراً مهماً في جعله حلقة مركزية من حلقات الأمر القائم العربي، وفي حسابات السياسات الإقليمية والدولية.

لا شك في أن المواقف ستتصاعد في اتجاه المزيد من المواجهة بين أمريكا وسوريا، وأن نتائج لجنة التحقيق باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق ستستغل أمريكا إلى أبعد مدى يمكن تخيله ضد النظام السوري، وسيكون لها انعكاسات هائلة الخطورة عليه، إذا صدق ما نسمعه حول ما توصل إليه رئيس اللجنة الألماني وفريقه الكبير من وقائع واستنتاجات.

وأخيراً، يبدو أن لحظة حسم تلوح في علاقات البلدين، أرجح أن تغير كثيراً صورتها الراهنة، وأن تحدد صورة المنطقة إلى زمن طويل قادم، باعتبار أن أمريكا تكتب تاريخاً جديداً للمنطقة، لا مكان فيه للنظام السوري، كما يقول الأمريكيون أنفسهم.

هل يحدث هذا في الفترة القريبة الآتية؟ لن أرد عن الواقع، الذي سيتخذ صورته الجديدة خلال الأشهر القليلة القادمة، فإما أن تفلح أمريكا في تحقيق ما تريد تحقيقه ضد النظام السوري، أو أن ينجح هذا في النجاة من براثنها، بأدوات ووسائل يفتقر إليها اليوم، أهمها الاستعانة بشعبة، وإطلاق الحريات والديمقراطية في البلاد.

محمد الجندي (كاتب وباحث):

ربما الاصطدام العسكري مؤجل حالياً، ولكن التفعيل السياسي للتناقضات السورية الداخلية والإقليمية والدولية جارية، وإذا نجح بالتغيير فقد يستعاض به عن الخيار العسكري.

يمكن أن ألخص إجابتي بعدة نقاط:

كلمة السر لدى الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط هي “إسرائيل” فالعلاقة الاستراتيجية بين الإدارتين الأمريكية و”الإسرائيلية” هي أكثر من واضحة.

ولا يكفي أن تكون إدارة الشرق أوسطية موالية للإدارة الأمريكية، وإنما يجب أن يكون وجودها وتحركها منسجمين مع الاستراتيجية المذكورة أعلاه.

إن الإدارة الأمريكية تأخذ على سوريا ثلاثة أمور، الأول هو المتعلق بوجود فصائل فلسطينية على أراضيها، والثاني، دورها الذي لا نعرفه تماماً، بين إيران وحزب الله اللبناني، والمتشابك مع دورها السابق في لبنان، والثالث، كون قواتها المسلحة هي ذات حجم وتسليح غير مرغوبين أمريكياً و”إسرائيلياً”.

ربما تحاول الإدارة السورية تحاشي التصعيد، ولكن المسألة لا تتعلق بها وحدها.

الإدارة السورية تجد صعوبة في إخراج الفصائل الفلسطينية من أراضيها، وقد لا تستطيع المساعدة على تجريد حزب الله من سلاحه، وكذلك لا تستطيع التخلي عن قوتها الدفاعية، ولا ندري كيف يمكن وجود حل وسط في كل ذلك؟ إذن، عوامل التصعيد موجودة.

أيضاً حتى لو رضخت الإدارة السورية لكل المطالب الأمريكية الحالية المعلنة وغير المعلنة، تنشأ لدى الإدارتين الأمريكية و”الإسرائيلية” مطالب جديدة.

ربما الاصطدام العسكري مؤجل حالياً، ولو لأمد قصير، ولكن التفعيل السياسي للتناقضات السورية الداخلية والإقليمية والدولية جارية، وإذا نجح في التغيير، فقد يستعاض به عن الخيار العسكري.

سليمان دباغ (كاتب وباحث):

أبرز التغيرات في اللعبة الدولية تتمثل في إلغاء أو تحجيم الأدوار الإقليمية التي كانت قائمة من قبل لمصر وسوريا والسعودية.

تعاني العلاقات الأمريكية السورية منذ عقود أزمة عميقة، وصلت في أوقات عديدة إلى حدود تجاوزت الاشتباك السياسي والديبلوماسي، وإن كانت لم تأخذ صيغة الصراع المادي على الأرض بشكل متقابل ومباشر، وإنما عبر أطراف وقوى أخرى، سواء على صعيد القضية الفلسطينية، أو الجوار الإقليمي ( لبنان بشكل خاص)، والدولي، وفي عديد من الأحيان يجري التوصل إلى توافقات، تجعل حدود الاشتباكات هذه لا تتجاوز الخطوط الحمر، بمعنى الصدام المباشر، وتحويلها إلى توافقات على الأرض غير معلنة، بمعنى غير موثقة، وساعد في ذلك تنامي الدور السياسي والعسكري والاقتصادي لسوريا في فترة الحرب الباردة، وكان هذا الدور محمولا أيضاً على مشروع قومي عماده التصدي للهيمنة “الإسرائيلية” والأمريكية استطراداً. وأسس ذلك كله لدور إقليمي لسوريا، ما جعلها أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بإقرار أمريكي وأوروبي.

غير أن قواعد اللعبة هذه تبدلت تبدلاً جذرياً بعد معطيين أساسيين لا يمكن تجاهل تأثيراتهما البارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهما انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء حقبة الحرب الباردة، وما تلا ذلك من استفراد القطب الأمريكي، وتحكمه بالأوضاع الإقليمية والدولية، وأحداث 11/9 وما ترتب على الحدثين (مفاوضات مدريد بكل تداعياتها الإقليمية، واحتلال العراق)، وبحيث بات الأمريكي طرفاً إقليمياً مباشراً وأساسياً وجاراً لسوريا، تتواجد قواته على حدودها الشرقية.

إن ابرز التغيرات في قواعد اللعبة الدولية هذه تتمثل في إلغاء أو تحجيم الأدوار الإقليمية التي كانت قائمة من قبل لمصر وسوريا والعربية السعودية، وذلك بغية إعادة توظيفه في سياق جديد تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”، ومن منظور إدارة بوش المحافظة، وبما يعني تسخير الداخل الاقتصادي والاجتماعي السياسي لهذه الدول خدمة لأغراض الإدارة الأمريكية، وهو ما يفسر الصعوبات التي تواجهها دول حليفة للولايات المتحدة في تنفيذ تلك التوجهات، فكيف الحال مع دولة مثل سوريا. وهو ما يجعل السهام الأمريكية تتوجه بشكل حاد وكثيف نحو النظام السوري، ليس لأنه يشكل تهديداً للمشروع الأمريكي، بل لأنه بات الحلقة الأضعف عسكرياً واقتصاديا، في ذلك المثلث.

وبالتالي إن مجمل الضغوط الأمريكية على سوريا لن تتوقف لأسباب عدة منها أن الجوار الإقليمي لا يعمل على تخفيف أو امتصاص هذه الضغوط. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تبن سوريا حتى اللحظة سياستها البديلة على المستوى الإستراتيجي في مواجهة القضايا الرئيسية المطروحة، والتي لا تستطيع من خلالها أن تمارس سياسة الممانعة استنادا الى مواقف واضحة تقدم للأمريكيين والأوروبيين ودول الجوار الإقليمي. ويزيد من حدة الوضع تفاقم الأوضاع الداخلية والفساد، والركود الاقتصادي والتململ الاجتماعي، فهذا يزيد من صعوبة الأمر، ويجعل عدداً واسعاً من الملفات والجروح مفتوحة على نزيف بطيء ولكنه مستمر، وعلى هذا تراهن الإدارة الأمريكية، وتصيغ بناء عليها سياساتها حيال سوريا.

إن المبادرة لوقف هذه الضغوط وبنسبة ليست يسيرة، وإعادة إرساء قواعد جديدة للتعامل مع الإدارة الأمريكية ما زالت ممكنة إن بادرت سوريا لإعادة تحديث سياساتها في إطار واقعي ووطني على الصعيدين الداخلي والخارجي، مستفيدة من الإمكانيات الكبيرة التي يختزنها الشعب السوري، ومن فراغ إقليمي واضح للعيان، ومن إمكانيات كبيرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكن توظيفها بالترابط مع حركة إصلاح جريئة، سريعة وجادة، على مختلف الصعد، وتنسيق مجمل هذه السياسات على الصعيدين العربي والإقليمي. أما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فلا شك أن سياساتها حيال سوريا ستبقى متأثرة حدتها بمسار الأزمة العراقية من جهة، والتطورات الإقليمية والمسار الفلسطيني، والتطورات على جبهة ما تدعوه الإدارة الأمريكية ب “الحرب على الإرهاب”، لكن الاشتباك راهناً سيبقى في إطار سياسي وديبلوماسي واقتصادي، ومن المستبعد أن تلجأ الإدارة الأمريكية للخيار العسكري، فهذا يفتح على فوضى شاملة في المنطقة ستدفع واشنطن ثمنها إن عاجلاً أم آجلاً.

أحمد الحاج أحمد (كاتب):

أمريكا تريد تحييد سوريا بالحد الأقصى عن تدخلات مفترضة في الشؤون العراقية واللبنانية والفلسطينية.

الضغوط الأمريكية على سوريا لا تتعدى أزمتها العسكرية والسياسة في العراق، إلى جانب ما ترسمه من مشاريع تعيد قولبة المنطقة خدمة لمصالحها الهيمنية، وهذا ما أفصحت عنه صراحة في مشروع بناء الشرق الأوسط الكبير، الذي يلحق كل المنطقة بعجلة التبعية الأمريكية.

أمريكا تريد تحييد سوريا عن تدخلات مفترضة في الشؤون العراقية واللبنانية والفلسطينية، وممارسة الضغط السياسي والديبلوماسي والاقتصادي لإحداث تغيرات داخلية. لكن وبتقديري لا أعتقد بأن الإدارة الأمريكية ستقدم على مغامرة عسكرية جديدة ضد سوريا في الوقت الذي يتنامى فيه مأزقها في العراق. إن ما سبق لا يلغي جدية الضغوط الأمريكية على سوريا، وتأثيرها الكبير في الاقتصاد والسياسة والمجتمع السوري، هذا يتطلب أن تصوغ الحكومة السورية سياسات جديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتنفيذ برنامج إصلاحات حقيقية في مواجهة الفساد، وتعزيز النهج الديمقراطي والمشاركة الشعبية، فحصانة الجبهة الداخلية هي ضمانة سوريا بالصمود في المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أيضاً يمكن سوريا من إعادة بناء علاقاتها عربياً ودولياً. فالمأزق الراهن الذي تعيشه السياسة السورية يعود في قسم كبير منه إلى غياب الحد الأدنى من التضامن العربي والدولي مع سورياً في مواجهة التعسف الأمريكي.

أعود وأكرر، الصمود السوري ممكن ولكن لذلك شروط أولها الوحدة الوطنية، ثانيها محاربة الفساد الذي يزداد ضرره في الظروف الاقتصادية الراهنة التي تمر بها سوريا، وثالثها الانفتاح الديمقراطي والمشاركة الشعبية، ورابعها عودة الروح إلى التضامن العربي ولو بحدوده الدنيا. والأيام القريبة القادمة قد تشهد تصعيداً غير مسبوق في الضغوط الأمريكية على سوريا، على ضوء التقرير الذي سيقدمه المحقق الدولي ميليس.

كل الاحتمالات واردة

كريم الشيباني رئيس الحزب الوطني الديمقراطي:

كل الاحتمالات واردة في العلاقات السورية الأمريكية رغم أن حالة التشنج هي في حدها الأقصى، ولكن أبواب الحوار بين الطرفين ليست مغلقة بالكامل، وبالمقابل فإن نوافذه ليست مفتوحة حتى إلى حدودها الدنيا.

إن أزمة الحوار بين البلدين تعود إلى أسباب عديدة أبرزها ما يتعلق بالعراق ولبنان، ومن ثم مواقف سوريا التي تؤكد على استقلالية القرار العربي ومواقفها ومطالبها التي لن تتنازل عنها في مسألة الصراع العربي “الإسرائيلي” وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

إن سوريا والعديد من الدول العربية تعلم تماماً أن مخطط الولايات المتحدة الأمريكية هو خلط الأوراق في المنطقة العربية لصالح الكيان الصهيوني الذي يحكم أمريكا.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تغض النظر علانية عن مسألة الحقوق العربية وتستخدم مبدأ القوة والغطرسة في إحلال الخطأ مكان الصح وهذا لن تقبل به سوريا ولا الدول العربية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)