أستطيع التحليق شرقا لأن المسافة لم تعد عالما مرعبا ... ثم أكتب كلمات تنسف رغبة "ابن بطوطة" في السفر والترحال، لأن العالم لم يعد يملك ما يمكن اكتشافه، ومات الوميض الذي يرسم الاستغراب عندما نصطدم بالآخر الذي يبدو وكأنه قادم من السحر والخرافة.

أحلق شرقا لأن العالم لم يتشنج على إيقاع الموت في باكستان.رغم أنه كان يضطرب قبل سنوات قليلة من الحدث الشرقي فهل ماتت الرغبة في الحرب على حدود الصين؟!! أم أن آسيا غدت البقعة المنسية وسط الرغبات القاتمة للسياسة الدولية؟ أسئلة كثيرة فجرت ضغينة الموت المجاني عبر الزلازل أو السيارات المفخخة، وما حدث في باكستان ليس ظاهرة طبيعية فقط بل هو مجال ثقافي يترك جانبا من العالم المكشوف على حدود الموت، ويتسابق على الطرف الآخر النزعات الإنسانية في الإغاثة، أو التحليل لظاهرة "العالم المظلم".

"الموت بالجملة" عبر الزلازل لا يشكل جديدا طالما أننا نقطة استقطاب الكوارث الجغرافية والسياسية. وضحايا الكارثة في باكستان ليسوا بعيدين عن التفاوت الذي ضرب العالم بعد ما حدث في أفغانستان؛ فمساحة الظلمة تمتد اليوم لتخلق مجهولا جديدا يعيدنا لمراحل الاكتشافات العظمى.

التدخل الإنساني اليوم يرسم الاكتشاف لمجتمعات تموت بصمت، ولإناث يتم اغتصابهم بالجملة، سواء جسديا أو معنويا، ولرجال قادرون على تبني "الذكور" والسقوط أمام أول مواجهة لا علاقة لها بالفحولة الجنسية. والمساعدات التي تضطرب الباكستان للحصول عليها تتجاوز مفهوم الكارثة، لأنها غارقة في المفاهيم التي بدأت تغلفنا مع انتعاش القرون الوسطى في ذاكرتنا وفي عقول "المحافظون الجدد".

لننتظر اليوم السباق نحو النسيان ... ننسى أنفسنا وسط اكتمال "الكارثة الثقافية" التي تعبر عن مراحل "الصحوة" ... صحوة الثأر في جانب معتم، والرغبة في أن نكون الضحية في الجانب الآخر، ثم العودة إلى مصطلح "المساكين" و "المستضعفين" في ركام من سباق القوة داخل عالم "النور".