أضاف غازي كنعان نفسه إلى عبد الحكيم عامر وعبد الكريم الجندي ومحمد أوفقير وصبري البنا ومحمود الزعبي، وأربعة منهم كانوا في مواقع نافذة في السلطة في بلادهم، وباستثناء الأخير، وكذا الدبلوماسي القطري راشد الخاطر (انتحر في 1983 )، كان خمستهم عسكريين ورجال أمن وطباخي صراعات. ويشاركهم رفيقهم الجديد كنعان الذي اشتهر بعدم قبوله أنصاف الحلول، الشكوك نفسها في واقعة انتحاره، وهو الذي تشابه مع سلفه عبد الكريم الجندي في المسؤوليات الأمنية والاستخبارية الشديدة الأهمية، وكان قبل إطلاق رصاصة على رأسه ( وليس في فمه ) في مارس آذار 1969 حاد الطبع وذا مزاج صعب، ونسبت إليه أعمال وحشية في مقرات الأمن، وفي حمى انحيازه لصلاح جديد في ذروة الصراع مع حافظ الأسد اختار قتل نفسه، وقيل إنه لم يستطع أن يتصور تحقيقا يتم معه. أما كنعان الذي هيأ قبره بنفسه، ونقلت عنه الكاتبة كوليت خوري أنه أبلغها مرات أنه ينوي الانتحار، فلم يوصف بمثل ما كان عليه الجندي، وإن عرف الاثنان بالغلظة، وقد قال روبرت فيسك إن الرجل ليس من الصنف الذي يقتل نفسه.
بين ما أشاعته خوري وما رآه فيسك، معطوفا إليهما ما ذُكر عن كآبة الراحل في الأسابيع الأخيرة، وما قاله فاروق الشرع عن “الكلمة التي قد تقتل كما الرصاصة” في اتهامه وسائل إعلام بالتسبب في أن يفاجئنا الرجل بانتحاره، بين هذا كله نجدنا أمام أحجية بشأن نهاية وزير الداخلية السوري، وهو من هو في عالم المخابرات والبطش واستحق وصف ميشيل كيلو إنه أهم ضابط أمن عربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين، غير أن هذه المقالة تميل إلى حدوث الانتحار، لا لشيء إلا لأن كاتبها ليس طبيبا شرعيا، ولأن شيئا جديدا لم يثبت ما يغاير الرواية السورية الرسمية، كما أن النفس الإنسانية خزانة من التفاصيل الغامضة والمعقدة، والانتحار كما يرى أستاذنا محمد جابر الأنصاري هو ذروة الحرب الأهلية في داخلها.
تُرى، أي حروب كانت في دواخل غازي كنعان بينما كان يشاهد تهاوي منظومته الأمنية والمخابراتية والسياسية في لبنان؟ هل توازت طِباعه إياها، وهو الصموت والعنيد والفولاذي، مع مقادير من القلق مثل الذي تملك فنانين وأدباء ذوي حساسية عالية فانتحروا، ماياكوفسكي وخليل حاوي وتيسير سبول وهمنجواي وعبد الباسط الصوفي مثلا؟، هل فيه شيء من هتلر، أم أنه اعتنق الأربعاء الماضي دعوة معمر القذافي مرّة لنا جميعا إلى الانتحار في ظل الأوضاع التي نعيشها؟.. الله أعلم.
مقالات هذا المؤلف
