هل قُتل غازي كنعان أم انتحر؟ هل كان قربان الخلاص أم الندّ غير المرغوب؟ ماذا يحدث في سورية؟ ومن يحكم البلد بالفعل؟

أسئلة عديدة، وغيرها كثيرة تتمحور حولها مناقشات الناس وهواجسهم في الداخل السوري هذه الأيام؛ كما يتناولها المحللون والمهتمون في المنطقة والعالم بالتحليل والبحث من سائر الزوايا، وعلى مختلف المستويات.

هناك من قارن أو أشار إلى وجه الشبه بين الطريقة التي غاب بها الزعبي، وتلك التي تخص كنعان؛ ولكن شتّان بين التخلّي التطهيري عن البيدق الضعيف، والزلزال المدوّي لسقوط القلعة-الركن.

إن الإشكالية المفصلية التي تتفرع عنها جملة المشكلات التي ترهق البلاد والعباد في سورية هذه الأيام، تتمثّل في رفض أمراء الظل، صنّاع القرار السلطوي، الإقرار بضرورة إنهاء اللعبة والخروج من الحلبة بأيسر السبل، وأقل التكاليف، بالنسبة إلى الوطن وأهله. هذا على الرغم من ادراك هؤلاء اليقيني بأن التغييرات التي تشهدها المنطقة نوعية، بنيوية، لا شكلية سطحية.

فما يحصل في العراق من تحوّلات ديمقراطية، على الرغم من الثغرات والمثالب، سيكون شاء من شاء، وأبى من أبى، ركيزة لتجربة ثريّة تستفيد منها شعوب المنطقة، الساعية من أجل القطع مع الأنظمة الشمولية التي سلبتها كل شيء، ما عدا الخوف من المجهول، والتوجس من الأشباح، والتبرّك بالأوثان........
إن الشعب السوري بمختلف مكّوناته وتوجهاته، يراقب من موقع التحسّر والرغبة في المثل المطلوب مناقشات الشعب العراقي المفتوحة والشفّافة حول الدستور؛ وهو يتأمل في المنطق التفسيري والاقناعي الذي يعتمده مختلف الفرقاء دفاعاً عن المواقف، ورغبة في الوصول إلى القواسم المشتركة التوافقية التي تمكّن من الجمع بين أطياف التنوع والتعدد، وتحقق التفاعل الحضاري فيما بينها، ضمن إطار وطني عام، يكون بالجميع وللجميع....
وعلى الرغم من عدم ارتقاء الحالة العراقية إلى مستوى المثال الأكمل؛ إلا أنها تظل الأفضل المنشود، مقارنة مع الحالة السورية التي تتحكّم فيها قوى لم يتخيّلها المسكين كافكا نفسه.....
والعراق ليس ببعيد عن سورية، بل ملاصق لها، يجسّد عمقها العربي والكردي، تبادل وايّاها التأثير منذ عصور فجر التاريخ، وسيظل هكذا إلى يوم الدين، مهما تحايل وضلّل أصحاب المجد الزائف....

والأمر ذاته فيما يتصل بلبنان الذي أدرك أهله، في كل المناطق ومن جميع الطوائف، بعد التجارب المريرة أن المشروع الوطني اللبناني والنظام الشمولي نقيضان متعارضان، لاسبيل إلى المزج أو الجمع بينهما..
وقد كلّف هذا الادراك، وما تمخّض عنه من نزوع استقلالي سيادي، لبنان الكثير من الدم والضحايا؛ والسجل لم يغلق بعد. لكن إرادة الحياة لدى شعبه هي في أوج عنفوانها، هذا الشعب الذي تحرّر من الأسر، وأنقذ نفسه من براثن الترويض العبودي اللعين....

إن الشعب السوري بكل مكوّناته القومية والدينية والسياسية، لايقلّ شأناً عن الشعبين العراقي واللبناني وغيرهما من الشعوب التوّاقة إلى الانعتاق؛ غير أن مصيبته تتشخص في أنه قد مُني بكابوس سلطوي استولى على مقاليد الامور بقوة السلاح، واستمدّ نسغ الاستمرار من عملية التوافقات الاقليمية والدولية في أجواء الحرب الباردة. كما تمكّن من استغلال الشعارات القومية الكبيرة في عملية الإجهاز على الداخل الوطني.
لكن الأمور جميعها قد تبدّلت، والمناخ الاقليمي لم يعد صالحاً لديمومة ممالك السلب العمومي. ولن تجد تضرعات الشرع، ولاجهود شعبان وغيرها التلميعية، طريقها إلى مدخل النجاة.

إن الصفقة الأنجع كانت تتمثّل إلى وقت قريب في تصالح النظام مع الشعب، وطلب العفو من هذا الأخير. لكن هذا النظام مستمر على ما يبدو في غيّه ومكابرته؛ يتزلّف عبر الوسطاء ومن دونهم، إلى كل اولئك الذين حكم تحت يافطة معاداتهم على مدار أكثر من أربعين عاماً باجراءات رغبوية، روّجت من دون وجه باسم قانون الطوارئ، إذ أنها في غاية البعد عن أية صيغة قانونية؛ شأنها في ذلك شأن الدستور المفروض الذي لا يقوم على اي سند دستوري..

الشعب السوري بأكمله مطالب بالتحرك الايجابي من خلال قواه السياسية الوطنية، وهيئات ومنظمات المجتمع المدني. وذلك بموجب برنامج عام، يتم الاتفاق عليه ضمن مؤتمر وطني شامل، لايقصي أي طرف يرغب بصدق في التغيير الوطني الديمقراطي؛ برنامج يلتزم بالوحدة الوطنية على أساس احترام الخصوصيات بعيداً عن نزوات الحقد والانتقام..

تُرى هل ترتقي قوى التغيير المرتقب في سورية إلى مستوى آمال وطموحات الشعب السوري العزيز ؟ أم أن تجربة المماليك ستتكرر ثانية، خاصة وأن جيوش نابليون العصر على الأبواب........؟؟

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)