وصف مراقب يتابع الوضع السوري من الداخل والخارج أيضا بأنه اشبه بحال "من أصابه الزكام أو ان إنفلونزا الطيور باغتته سياسيا على حين غرة هذا فضلا عن موجات الضغوط التي يواجهها النظام وهي تقود إلى فرض حصار شامل عليه" ويبدو أن كلام المراقب صحيح إذا ما تابعنا كل الذي يجري على الساحة السورية منذ اللحظة الأولى للإعلان الرسمي المبتسر سواء من وكالة الأنباء السورية الرسمية أو من مجلس الوزراء حول وفاة وزير الداخلية السابق اللواء غازي كنعان وصولا إلى البيان المختصر الصادر عن النائب العام استنادا للطب الشرعي "من أن اللواء السابق مات منتحرا وأن رصاصة اخترقت فمه ممزقة الرقبة،، ومن ثم فإن الوفاة كانت حادثا ولا أكثر من ذلك، ولذلك".

ومع طي السلطات الرسمية للحادث بدفن وزير الداخلية السابق القوي في بلدة بحمرا الشمالية قرب اللاذقية، معقل العلويين، بدون لف جثمانه بالعلم السوري احتراما للشرع الإسلامي (!)، وما تلا ذلك من اتهامات صدرت عن وزير الخارجية فاروق الشرع للصحافة اللبنانية ومعها "مجمل الإعلام العميل" بانه كان وراء انتحار اللواء كنعان، فإن الشارع السوري في الداخل والشارع السوري العريض المعارض في الخارج هو الآخر انقسم بين تصديق الرواية الرسمية في أن اللواء الراحل كان نُحر أم انتحر؟.

ويبدو أن الجدل لم يعد همسا كما تعود الشارع السوري المخنوق الذي وجد في مقتل الوزير القوي الذي كان مرشحا لدور أكبر رغم تحجيمه في العامين الماضيين بترقيته لمنصب وزير "كان يعتبره أقل من قدرته"، كما أن كثيرين من الذين كانوا مقربين سواء من دائرة الحكم الضيقة أو من فرع أسرة الأسد في الطائفة العلوية أو من الذين أبعدوا لسبب أو آخر بدأوا من ناحيتهم "تحليل ما جرى في اللحظات الأخيرة التي كانت دهرا في حياة غازي كنعان"، لا بل أن عشيرته الأقربين كادوا يمتشقون السلاح ثأرا لحظة تشييعه، لكنهم فضلوا تحدي أبناء العمومة في قصر الشعب في دمشق بلف جثمان ابنهم بعلم بلاده، وهو ما حرمته منه السلطات.

واحد من الذين كانوا في حلبة الحكم لا بل من ألسنته الفتاكة سابقا، له رواية ومرئيات أخرى تناهض ما يقوله رسميو وحزبيو دمشق القريبين الرئيس ودائرته حيث تحصنوا وراء اسطوانة الانتحار، لكن محمد سلمان خرج إلى العلن ليقول عكس ذلك، مستفيدا من رواية للكاتبة كوليت الخوري ذهبت بها إلى التأكيد أن الوزير الراحل "أكد لها خلال أحاديث بينهما رغبته بالانتحار".

وكانت الكاتبة السورية الخوري قالت لصحيفة (الحياة) اللندنية ان اللواء كنعان ابلغها مرات عدة انه ينوي الانتحار و ذلك في حضور عدد من المسؤولين، بينهم وزير الإعلام الاسبق محمد سلمان وقائد الجيش الشعبي السابق في سورية اللواء محمد ابراهيم العلي. و نقلت الصحيفة عن الخوري قولها ان اللواء الراحل أبلغها ان "الانتحار عمل شجاع عندما يتعلق بالكرامة" وذلك رداً على قولها له ان "الانتحار عمل يقوم به الجبناء".

وكلام الروائية الخوري بادر إلى رفضه الوزير سلمان في تصريح لموقع (سيريانيوز) حيث أشار إلى أن "رواية الكاتبة خوري غير دقيقة وأنا أصحح لأنها تطرقت لاسمي ولما دار من حوار وقتها"، وروى الوزير الذي أبعد عن الحكم حاله حال كثيرين من رجالات الرئيس الراحل حافظ الأسد وممن هم شدوا الرحال نحو خيمة الرجل القوي غازي كنعان أو إلى الخارج حيث اللواء الدكتور رفعت الأسد نائب الرئيس السابق وقائد سرايا الدفاع المنحلة للتشاور معهما حول مستقبل الأيام في سورية في ظل ما يجري.

وقبل أيام، في حديث لـ(إيلاف) لم يكن للنشر مع أحد المقربين من الدكتور رفعت الأسد، فإنه لم ينف تهمة نحر اللواء الراحل وليس كما قيل بأنه انتحر، كما لم ينف ما يقال من أن الدكتور الأسد "كان إلى حد بعيد على اتصال مع غازي كنعان، وهو كان يراهن عليه كأحد رجالات التغيير الأقوياء حفاظا على النظام من داخله". ولكن هذا الشخص الذي لم يشأ ذكر اسمه قال "بالتأكيد لم يجتمع الدكتور الأسد في وقت قريب مع اللواء الراحل، ولكن الوزير السابق كان واحدا من الرجال القادرين على التغيير وهو ليس من نوع الرجال الذين يقدمون على الانتحار ولا يجد فيه شجاعة بل انهزاما".

والحديث عن شجاعة كنعان أيده الوزير سلمان في حديثه لـ (سيريا نيوز) وهو موقع الكتروني يبث من داخل سورية حيث قال "لقد كان رجلا مميزا وشجاعا وواثقا من نفسه ولم يهب الموت يوما وتجربته في لبنان تؤكد ذلك...لقد كان رجل قرار ومبادرة اثناء وجوده في لبنان ، ولم يكن ينتظر سماع التعليمات والأوامر لينفذها، وغالبا ما كانت وجهة نظره مصيبة".

أما لجهة الانتحار ، فإن الوزير سلمان لم يشأ القول أن اللواء كنعان لم ينتحر لكنه أراد من وراء ذلك "توضيح أن ما ذكرته الكاتبة السورية لم يكن دقيقا." وعن الانتحار قال "هذا ما لم أكن أتوقعه ولا أعرف التفاصيل والتطورات التي حصلت معه في الساعات الأخيرة حينما قرر ذلك".

يذكر أن الوزير سلمان ينتمي للطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس بشار الأسد ولكن من عشيرة أخرى حاله حال اللواء الراحل غازي كنعان،، وكانت مصادر معارضة أبلغت (إيلاف) أنه "إذا كان اللواء قد قتل فإن الرئيس بشار وشقيقه ماهر قائد الحرس الجمهوري وحتى صهرهما اللواء آصف شوكت الرجل القوي في الاستخبارات غير قادرين على اتخاذ قرار كهذا من دون موافقة من المجلس الملي الأعلى للطائفة العلوية، كما أنه لا بد أن يكون الرجل القوي السابق سلف كنعان في الداخلية علي دوبا على اطلاع بالأمر".

وفي حديثه لسيريا نيوز روى الوزير السابق محمد سلمان بالتفاصيل الكاملة ما يتعارض تماما مع ما قالته كوليت خوري فقال "كنت مع المرحوم اللواء غازي كنعان في مكتبه منذ نحو شهرين بحضور قائد القوات السورية السابق في لبنان اللواء سعيد بيرقدار وكنا نتبادل أحدايث ودية، ثم تطرق الحديث الى الشأن اللبناني وهنا لاحظت على اللواء كنعان أنه تحدث بألم عن الانهيارات التي تحصل، وكان يبدو عليه أنه متفاجئ من المتغيرات التي تحصل بسرعة كون كنعان يعتبر نفسه أنه فعل ما بوسعه لوحدة لبنان ودعم المقاومة وابعاد إسرائيل، ثم تحدث اللواء بيرقدار عن الدور المتميز الذي لعبه اللواء كنعان في لبنان على صعيد وقف الحرب الأهلية ودعم المقاومة اللبنانية، وفي هذه الأثناء دخلت علينا الكاتبة كوليت خوري ولم يكن اللواء محمد ابراهيم العلي قد حضر بعد."

وأضاف "أتت الكاتبة لأمر أو طلب شخصي وخلال جلوسها سمعت اللواء كنعان يتحدث بألم وانزعاج عن بعض المسؤولين اللبنانيين الذين غيروا في موقفهم ووقتها قال كنعان حرفيا (أنا شخصيا لا أغير مواقفي واحترم قناعاتي وأفضل الانتحار على أن أغير قناعاتي) " وتسائل الوزير محمد سلمان الذي يعتبر من الاصدقاء المقربين الى اللواء كنعان "هل هذه الجملة تعني أنه كان ينوي الانتحار.؟؟"

وقال سلمان "الكاتبة كوليت في تلك الساعة تحدثت باعجاب عن قوة شخصية كنعان واعجابها بعمله في لبنان وبما اتخذه من إجراءات مفيدة بعد تسلمه وزارة الداخلية وتحدثت عن محبة السوريين واللبنانيين له." واضاف "هنا دخل اللواء محمد إبراهيم العلي ولم يكن قد سمع ما دار من حديث بينما هي اقحمته وقالت إنه كان موجودا، كذلك لم يسمع أحد منها أنها قالت أن الانتحار من صفة الجبناء لأن الجلسة لم تكن عن الانتحار." وتسائل "ما هو الداعي لأن يقول شخص مثل اللواء كنعان لكاتبة مثل كوليت خوري أنه سينتحر. وأمام عدد من الأشخاص.؟"

وتابع سلمان الذي كان بصحبة كنعان في الليلة التي سبقت حادثة الانتحار :"كنت مع المرحوم في الليلة السابقة مع عدد من الأصدقاء وزوجاتهم على طعام الإفطار في منزل أحدهم ، وكان اللواء كنعان في غاية المرح والسعادة، وهو كشخص كان لا يحب الحوارات الثقيلة والجدية في مثل هذه الجلسات، كان يفضل الاحاديث العادية والمرحة."

وقال وزير الاعلام السابق "في نهاية السهرة تواعدت أنا وكنعان أن نلتقي في مكتبه في صباح اليوم التالي (يوم حادثة الإنتحار) ، وفي الساعة العاشرة صباحا، لكنني في الليلة السابقة كنت قد تأخرت في النوم حتى الخامسة صباحا ولم أستطع الاستيقاظ باكرا، وعندما نهضت واتصلت بمكتب اللواء كنعان لآتي إليه قالوا لي أنه في المشفى."

وعن رأي كنعان في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وفيما إذا كان قد اسره برأيه عنها على ضوء تجربته الأمنية الكبيرة ومعرفته بالساحة اللبنانية قال سلمان :" أذكر يوما أنه قال لي ان هذه الجريمة لا يقدر على التخطيط لها إلا دولة مثل اسرائيل واجهزة مخابراتها بغض النظر عن المنفذين وهويتهم"، وعن علاقة كنعان بالحريري قال سلمان "كان هناك احترام متبادل".

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)