ارتبط اسم غازي كنعان، وزير الداخلية السوري الراحل، بالملف اللبناني «إذ كان المنفذ والمشارك في التخطيط لكل السياسة السورية في لبنان منذ العام 1983 وإلى حين وفاته منتحراً، تبعاً للسلطات الرسمية.

مع ذلك يمكن القول ان «البعد التركي» من شخصية اللواء كنعان كان حاضرا بقوة في مختلف مراحل حياته، وقد لاقى خبر انتحار الوزير السوري صدى كبيرا في تركيا، نظرا للالتباس الذي سادها في الأسابيع الاخيرة، وما قيل، وقد يكون ذلك لا لبس فيه، من اتخاذ حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجيب طيب اوردغان، مواقف على مسافة من سياسات دمشق، وتمثل ذلك في إلغاء زيارة للرئيس بشار الاسد الى تركيا وعدم اجتماع اوردغان بالاسد في نيويورك مما ادى الى إلغاء الاسد لرحلته الى الامم المتحدة، كما ان انقرة تعاود اقترابها الشديد من اسرائيل.

المتابعون للشأن العربي والمنطقة في بعض الصحف التركية كتبوا عن غازي كنعان من زاوية مستقبل النظام السوري ومن عين الدور الذي لعبه كنعان في العلاقات التركية- السورية، إيجابا وسلبا في الوقت نفسه.

ينظر الى كنعان على أنه كان راعيا للتدريبات التي كانت تقوم بها في سهل البقاع اللبناني منظمتان معاديتان للدولة التركية، الاول المنظمة الارمنية السرية أزالا (ASALA) والثانية حزب العمال الكردستاني، وإلى أن كنعان كان أحد رعاة عبدالله اوجالان في الثمانينيات والتسعينيات.

كذلك تشير المعلومات الصحفية التركية الى أن الذي يقف خلف المطالب السورية في لواء الاسكندرون وحق سوريا في مياه الفرات كان غازي كنعان نفسه.

في المقابل، كان كنعان ممثل الجانب السوري في لجنة التنسيق التركية- السورية التي انبثقت عن اتفاق اضنه بين البلدين في اكتوبر 1998، وكان له الدور البارز في كبح نشاط حزب العمال الكردستاني في الاراضي السورية بعد ذلك التاريخ، وكان منسقا إحدى المرات لعملية امنية اسفرت عن إلقاء القبض على اربعة متهمين وتسليمهم الى تركيا. ويروي الكاتب مراد تيكين في صحيفة راديكال دور كنعان المركزي المتقدم على الاعضاء السوريين ولو كانوا وزراء في اجتماعات الهيئة التركية- السورية المشتركة.

ويقارب تيكين عملية انتحار كنعان بالقول ان غيابه يعني سقوط احدى قلاع النظام القوية، لكن بشار الأسد يمكن له، إذ أحسن تقدير الوضع جيداً، ان يحمي موقعه ويريح الحياة السياسية في الداخل فضلا عن تخفيف التوتر في المنطقة، ويدعو تيكين الى مراقبة تأثير غياب كنعان على الوضع في العراق.

وترى الكاتبة في صحيفة «صباح» اصلي ايدين طاشي باش ان انتحار كنعان مرتبط بلبنان واحتمال توجيه الاتهام له، وتقول ان موته «كبش فداء» لاستمرار النظام واعلان الاسد براءته من مقتل رفيق الحريري، وكذلك بمثابة نعمة ووردة تلقيها دمشق على طريق واشنطن، وتقول الكاتبة ان دمشق تضحي بأبنائها من اجل بقاء النظام في مرحلة هبوب رياح التغيير على المنطقة.

ولم يصدق جنكيز تشاندار، في صحيفة «بوكون» ان كنعان انتحر ويقول «هذا ليس انتحاراً بل اغتيال» وهو نوع من تصفية الحسابات.

ويرى أن النظام ضحى بكنعان وتخلص منه، ربما لتقديمه معلومات عن صلة بعض الاطراف في دمشق باغتيال الحريري، ويقول تشاندار إن هذا هو الفرق بين تركيا حديثة يفطر فيها رئيس الحكومة والمستشار الألماني شرودر، في اسطنبول على وقع انغام الموسيقى، بدلا من الاذان، فيما يغرق الشرق، في الانتماء إلى الماضي والبيئات القذرة.

اللواء غازي كنعان، كان سوريا ولبنانيا، وكان أيضا تركيا.. ووفاته المفاجئة تطوي كنوزاً من الاسرار لن تعرف ابداً.

مصادر
الشرق (القطرية)