من تعريفات الثقافة الكثيرة والمتداولة، انها المعارف ( وليس المعلومات ) التي تبقى لدى المجتمعات بعد زوال قوة تأسيسها، أي انها الخبرة الجمعية الجمالية والخيرة التي تستعيدها المجتمعات ممارسة، وليس قسرا أو استعراضا أو تشاوفا أو استرضاء، ولا تأخذ الثقافة أية قيمة من أكثرية أو أقلية بمعنى تعميمها على أساس انها الأصلح، وربما كانت الثقافة هي الممارسة الأقوى لإبراز جماليات الاختلاف وفائدته، بحيث تصبح معاكسة تماما لفعاليات الاختلاف التي تقوقع الخصوصية في جزيرة معزولة، ليصبح القياس على التمايز في الأحسن والأسوأ، وهكذا صحيح وهكذا غلط، لينتقل احترام الآخر وخصوصيته من مجال التفاعل إلى مجال القسر، أي من مجال المبادرة إلى مجال الخضوع... والخضوع بحد ذاته صيغة ثقافية تفتح الباب على رفضه ومن ثم الدخول إلى دوامة القسر ليتم عاجلا أم آجلا إلى إقصاء العقل في الممارسة الاجتماعية طالما هناك إمكانية لإخضاع الآخر البعيد ومن ثم الأقرب فالأقرب، من هنا يمكن التفكير في ثقافة التملق والرشوة والفساد والمحسوبية وقلة أو انعدام المبادرة والفردية والخلاص الفردي.

من هنا يبدو التفكير في تطوير أو استبدال ثقافي ما يدعو و بالضرورة وبدقة وبإخلاص إلى عدم مقاربة ثقافة الإخضاع تحت أي مسمى كان لأنه ثقافة تلتصق بمسبباتها دائما وعلى طول خط تفاعلها لتتحول إلى ثقافة ذرائعية مبتذلة، حيث ان السيف جاهز إذا لم تقتنع بالكلام أو الشعار أو الاستنتاج البدي، وبالتالي لن يبق للناس من مجال لممارسة معارفهم على نحو مشرع ومنطلق، لأن الخير والجمال سيصبح مرهونا بتشريعات الذرائع، المستحدث منها أو التاريخي، وليصبح الفرامل هو أهم مكونات آليات الأداء المعرفي، طالما الخوف هو سيد الذرائع، والخوف هو نفسه ان ندخل النار، أو السجن، أو الخوف من الجوع أو قلة الرزق أو نصاب بالبلايا أو العاهات، وكلها أخواف متطابقة إلى درجة التوأمة الحقيقية، فهل نختار في حال تطوير ثقافي ما احد التوأمين ؟؟؟؟؟؟؟؟