إذا رغبنا في الحصول على إجابة عن السؤال الآتي: "إجراء الجار (الذي يعني اتخاذ الفلسطينيين دروعاً بشرية) ـ أخلاقي أم لا؟"، فلماذا ذهبنا بعيداً الى الهيئة المحترمة للقضاة الثلاثة في محكمة العدل العليا؟ كان يكفي التوجه الى أحد الجنود الشبان، الذي وصل حديثاً متأثراً جداً من درس يتعلق بكيفية تصرف قائد الفصيل حول موضوع "طهارة السلاح". فبالنسبة إليه يمر خط أحمر واضح جداً بين المسموح والممنوع، بين ما هو أخلاقي وما هو مريع. فقد حدثوه كيف أن قائد الفصيل فضل ترك راعي الماشية على قيد الحياة، الأمر الذي أدى الى إبادة القوة كلها. وهذا الجندي استمع واستوعب، وهو يعرف أي نوع من الجنود يريد أن يكون؛ جندي أخلاقي.
بعد شهرين، يكتشف هذا الجندي الغر أن قائد الفصيل، قائد السرية أو قائد الكتيبة، لا يتحدثون بصوت عالٍ، والأساطير تتوقف، ذلك أنه عندما ترعد المدافع تصمت الأقلام. فعندما يتم تنفيذ عشرات الاعتقالات أسبوعياً، تذهب الأخلاق الى الجحيم. "إجراء الجار" لم يولد في مقرات القيادة المكيفة ولا في جلسات أركانية صاخبة. كما التعليمات الفاسدة لإطلاق النار، كذلك ولد إجراء الجار في عقل مقاتل يشعر بالتعب جراء التصدي اليومي لواقع مستحيل.

الواقع المجنون هو الذي يؤدي الى انهيار الحدود والخطوط الحمر، ويحوّل الأسود والأبيض الى رمادي. وعندما يكون الواقع رمادي ـ داكن، يبدو حينها أنه من المنطقي أخذ شخص ما وإرساله تحت تهديد السلاح الى موته. حينها يبدو من المنطقي تجاوز قرار موقت صادر عن المحكمة العليا والطلب من شخص ما تنفيذ تلك المهمة الفظيعة. لأنه ما الذي يفهمه أولئك الجالسون هناك في المحكمة العليا؟ فنحن الذين على الأرض. نحن الذين نتصبب عرقاً من الخوف عند تنفيذ عملية الاعتقال التي لا نعرف رقمها، ونحن الذين ننكسر. ننكسر عند التفكير بالأخلاق، وسئمنا الانشغال بـ"الطهارة".

هل كان ثمة ضرورة للمحكمة العليا كي تقرر ما هو الأخلاقي وما هو ليس كذلك؟ الجواب واضح للأسف. لقد فقد الجيش الإسرائيلي مكنونه الأخلاقي. ويتعيّن على المحافل الأمنية التي ردّت على قرار المحكمة العليا بالقول إن "الجيش الإسرائيلي سيواصل كونه صاحب قيم"، يتعيّن عليهم الخضوع لدرس جديد حول طهارة السلاح وتطبيقه. فرئيس هيئة الأركان، الذي انتظر قرار المحكمة العليا كي يأمر بإلغاء الإجراء، يثبت لنا أنه لا يمكن الاعتماد على الرقابة الداخلية في الجيش الإسرائيلي إزاء طريقة القتال في المناطق الفلسطينية. ووزير الدفاع، الذي أعلن عن نيته الاستئناف ضد قرار المحكمة، ذكرنا جميعاً أن المبادئ والقيم تصبح مرنة أمام الضرورة الاستراتيجية. فالمبدأ المقدّس الذي يفيد أن السكان المدنيين "خارج المجال"، تحول عنده الى مائع وفقاً للظروف.
المسؤولون عن الجيش وكذلك الجيش نفسه يشعرون بالتعب وبالانهيار جراء السنوات الخمس الأخيرة. ليس لديهم الرغبة ولا القدرة على مراقبة طريقة القتال في المناطق الفلسطينية بصورة جدية. مثل هذه الرقابة يجب أن تكون من خارج الجيش مستقلة، والأهم من ذلك أن لا تكون مستترة أو تفتقد الى المكنون الأخلاقي.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)