العمليتان اللتان وقعتا في مفرق غوش عتسيون وقرب مستوطنة معاليه، أعادتا دفعة واحدة مشاهد الانتفاضة الى الواقع الاسرائيلي. فالشبان الثلاثة الذين قتلوا في العملية في مفرق غوش عتسيون، هم الضحايا الأخيرون لهذه الحرب، المتواصلة منذ خمس سنين. هذه العمليات تؤكد التقدير الذي يفيد ان الانسحاب من غزة لن يستطيع ان يوفر لوحده ردا، ولو موقتا، على مطامح الفلسطينيين ـ لا سيما للفصائل المتطرفة والعنيفة. وهي ايضاً تعزز الشكوك في شأن قدرة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وقواته الأمنية في بسط سلطتهم بسطا تاما.

وعندما يكون الوضع كذلك، لا يستطيع الجيش الاسرائيلي أن يقف في المقابل والا ينفذ سياسة متشددة، تهدف على الأقل الى التخفيض من تهديد العمليات، اذا لم يكن احباطها التام. وفي ظل غياب خطوات عجيبة لتصفية الارهاب اختار وزير الدفاع ان يعيد استعمال الوسائل الشديدة التي كان معتمدة في الفترة الشديدة من الانتفاضة، مثل منع الفلسطينيين من التنقل في سياراتهم الخاصة في شوارع رئيسة، واغلاق الطرق الترابية، وفرض اطواق أو حتى الاعلان عن استمرار سياسة التصفيات المركزة. هذه الوسائل، ويجدر أن نذكر ذلك، لم تمنع العمليات في الماضي ايضاً منعاً تاماً.

تستند هذه الخطوات الى فرضية تفيد أنه لا يوجد في الجانب الفلسطيني من يعتمد عليه، وسيكون هذا كما يبدو أيضاً التقدير الذي سيسمعه عباس في لقائه القريب مع رئيس الولايات المتحدة. ذلك أن التنديد بالعمليات لا يمكن أن يكون بديلاً من نضال حقيقي للمنظمات الارهابية. لكن هذه الفرضية، التي رافقت منظومة علاقات اسرائيل بالسلطة الفلسطينية في فترة ياسر عرفات، لا تلائم فترة عباس. في ما يتصل بعباس لا يمكن بقاء وجود السؤال التالي: "هل يريد محاربة الارهاب؟". انه يظهر بتصميمه في كل مناسبة، حتى لو كانت النتائج غير مرضية. ولقد أثبت انه مستعد حتى لمواجهة حماس، ولقد عمل تحقق وقف اطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية واسرائيل، حتى أنه نشر في هذا الأسبوع علنا جملة احباطات العمليات التي نجحت السلطة في تنفيذها. على هذه الخلفية لا يمكن قبول قرار اسرائيل ان تقطع كل اتصال بالسلطة الفلسطينية.

ان صعوبات عباس في احباط جميع العمليات، بينما الاحتلال لا يزال ساريا على الضفة كلها، لا تتطلب في الحقيقة توجها متسامحاً من قبل اسرائيل تجاه الارهابيين، لكنها تستوجب اعتبار عباس شريكاً مناسباً في الحملة على الارهاب. شريك يبدو أنه على استعداد لتبني المقولة القديمة، وفحواها أنه تجب محاربة الارهاب وكأنما لا توجد مسيرة سلمية والسير قدماً في المسيرة السلمية كأنما لا يوجد ارهاب. اسرائيل، التي استمدت التفاؤل من التطورات السياسية في المناطق الفلسطينية في الأشهر الأخيرة، ملزمة بناء على ذلك أخذ الحذر المناسب عندما تأتي لمحاربة الارهاب. وهو نهج لا يوجهه الانتقام للعملية الشديدة، بل ضرورة بناء شريك فلسطيني ذي قوة يستطيع ان يحل مكانها في هذه الحرب.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)