أكثر من ثلاثة عقود ، وهو يمارس القعود والتراخي ، بنجاح منقطع النظير ، ويستثمر أفضل استثمار، الحاجة الملحّة إليه من قبل الآخرين ، بأن يكون .... لا شيء .

كان يتقن مهمته إلى درجة مدهشة ، فطوال تلك السنين ، وهو يؤدي وظيفته التي اختارها طوعاً ، في أن يكون لا شيء ، أبرع ما يؤدي موظف وظيفته .... لم يخطئ مرة واحدة ... لم يخطئ في أية لحظة وظهر فيها على أنه شيء ... أي شيء ، على العكس ، كان يظهر بوضوح تام أنه لا شيء بامتياز !!

وفي ليلة حالكة السواد ، استيقظ من سباته الدائم ، على ضجيج يملأ الأنحاء ، خرج متراخياً ، رأى الأجواء ملبّدة أكثر من أية مرة مرت عليه ، رأى الناس في حالة قلق لم يسبق أن رآها ، سمعهم يتحدثون أن خطر هذه الأجواء لا مثيل له ، وأن تلك الجهة الغربية تنذر بهبوب عاصفة مرعبة ، ستقتلع كل ما سيقع في طريقها .... أو لا يقع . ولكنه فوجئ حتى الجنون حين سمع اسمه يتكرر أكثر من مرة ... أنصت جيداً .... وأصيب بحالة من الهلع لم يسبق لها مثيل .... كان الناس يتهامسون : أن (( لا شيء )) سيقف في وجه العاصفة !!!! .

صرخ بداخله أشد ما يمكن الصراخ ، حتّى كاد أن يكون له صوت : هل يعقل أني أنا ، أنا الــ (( لا شيء )) ... أنا من سيقف بوجه تلك العاصفة ؟؟؟

ولم تمهله الأيام ولا الساعات ، فاستلم دعوة من القائد الأعلى للقوّات المناخية ، يدعوه فيها للتباحث معه حول أفضل السبل لصدّ تلك العاصفة المشؤومة !!!

لم تغمض له عين .... ماذا يجب أن يفعل ؟؟؟ هل يقدم استقالته من وظيفة (( لا شيء )) ؟؟ .... وهل هذا يفيد ؟؟؟ ألم يفت الوقت على هكذا صحوة ..؟؟؟ وبالمقابل ألا يصبح عندها شيئاً ، وبالتالي فإن هذا يرتب عليه مهمّات عملية ما ؟؟؟ هل يبقى كما هو (( لا شيء )) ؟؟ ألا يجب عندها أن يقف في وجه العاصفة ، ألا يقول كل الناس أن (( لا شيء )) سيقف في وجه العاصفة !!!

لم تغمض له عين ... ماذا سيقول غداً ؟؟ .... ما الذي سيقوله ، وهو الذي قضى كل تلك السنين دون أن يحسب حساباً لهذه الساعة !! ....