كيف يمكن ارباك الوضع السياسي في لبنان وبموجب اي خطة اذا كانت الامور لن تصل الى مستوى الحرب ولاسيما في ظل الورقة التي تملكها سوريا ضد اميركا في العراق مع كثير من الاوراق اللبنانية؟ عن هذا السؤال اجاب المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية، قال:

"ان المسألة اساساً مسألة الصراع بين دولة ودولة لا يمكن ان تسقط فيه دولة نتيجة إتهام هنا وإتهام هناك، بل إن القضية في القضايا الصغيرة قد تزعج هذا الطرف أو ذاك بما لا تزعج به القضايا الصغيرة...".

ما تقوله صحيح. لكن لبنان هذه القضية الصغيرة او هذا الوطن الصغير صار ساحة صراع ارادات بين اميركا والمجتمع الدولي من جهة وسوريا من جهة اخرى. واميركا حسب رأيك لا تريد كسر العظم مع سوريا، هل ستعتبر سوريا قرار لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي فيه اتهام لها ولحلفائها في لبنان بالمسؤولية عن هذا الموضوع قرار "كسر عظم" ام لا؟

اجاب المرجع الديني الاصولي الابرز:

" - لا اعتبر ان المسألة في مستوى كسر العظم السوري لأن القضية في هذا المجال هي من القضايا التي لا يسقط الجدال امامها بل من الممكن جداً أن يبقى الجدال في مفرداتها هنا وهناك، هذا بالاضافة الى مسألة وهي أن الموقع السوري أو موقع سوريا في لبنان سواء من الناحية الاقتصادية والامنية أو السياسية هو الموقع الذي لا يستطيع لبنان ان يتحمله لو أرادت سوريا أن تنفذ إلى هذه المسألة في شكل فاعل بهذا المجال مع ملاحظة في الاسلوب الاميركي، فنحن نلاحظ أن أميركا تتحدث بطريقة وبأخرى، بأنها لا تريد اسقاط النظام، ثم نسمع من وزارة الخارجية الاميركية اننا نريد ان نتحدث مع سوريا بالطريقة التي تغير فيها سلوكها، إن هذا الاسلوب ليس أسلوب حرب، بل هو اسلوب يوحي أن هناك شيئاً ما في خلفية العلاقات يُراد له ان يهيىء المناخ لتسوية معينة قد لا تكون بهذا الحجم الكبير ولكن قد تكون اول خطوة في الطريق الطويل".

سنصل لاحقا الى التسوية التي تتحدث عنها، لكن، وانا هنا لا اقول انه لن تكون هناك تسوية، لان الاميركيين واقعيون وعمليون، لا يمكن الا ان الاحظ التطابق وربما للمرة الاولى بين الموقفين الاميركي والفرنسي من الموضوع اللبناني رغم قول سوريا حينا ان موقف فرنسا افضل وحينا آخر ان اميركا اقرب الى التسوية منها الى المواجهة. فالاميركيون والفرنسيون يتصرفون حاليا بالحدة نفسها حيال سوريا من دون ان يعني ذلك ذهاب الفريقين الى حد العمل لاسقاط النظام السوري او الدعوة لاسقاطه. السؤال هو: هل تعتقد ان سوريا ستكون جاهزة لتسوية مع الولايات المتحدة تستثني لبنان اي لا تكون على حسابه ولا تعيده الى السيطرة السورية التي كانت قائمة سابقا وعلى مدى سنوات طويلة؟

اجاب المرجع الاسلامي الاصولي الابرز: "جاهزة و"مش" جاهزة. لن تعود السيطرة السورية على لبنان كما كانت لأن الظروف التي أدت الى هذه السيطرة السورية الشاملة انتهت من خلال تطورات العالم العربي ومن خلال الاوضاع اللبنانية الداخلية هنا وهناك بصرف النظر عن مسألة اغتيال الرئيس الحريري وغيره. أن تعود المسألة كما كانت هذا أمر غير واقعي، ولكن اعتقد انه في لبنان أكثر من ثغرة يمكن أن تنفذ منها سوريا وغير سوريا في هذا المجال، مع ملاحظة ان اميركا وفرنسا ليستا القضاء والقدر لا من جهة عدم امتلاكهما القوة لتتحدثا بطريقة عنترية أن هذا الأمر كذلك، ولكن لأن لهما مصالح قد تتأثر بطريقة وبأخرى عندما تتحرك الخطوط في اتجاه العنف هنا وهناك. ثم هناك وضع عربي نتفق أنه وضع ضعيف، ولكنه يمكن ان يؤدي امام هذا النوع من العنف ضد سوريا الى عدم استقرار المنطقة في اكثر من جانب. فمشكلتنا ربما في لبنان أننا ننظر الى الامور من زاوية واحدة ولكننا نعرف ان قضية السياسة الدولية والاقليمية قد تأخذ أكثر من بُعد في تطوراتها أو في سلبياتها وايجابياتها".

مشكلة اللبنانيين انهم ينظرون الى الامور نظرات مختلفة تبعا لمصالح كل منهم. السؤال هو هل سيُسمح لسوريا في اطار الصفقة او التسوية التي تتحدث ويتحدث كثيرون عنها بين سوريا واميركا واستطرادا مع المجتمع الدولي بالاحتفاظ بـ"الاوراق" اللبنانية التي تملك وباستعمالها في قضايا كثيرة لها علاقة بالداخل اللبناني وبالعدو الاسرائيلي وبغير ذلك من قضايا وامور؟

اجاب المرجع الاسلامي الابرز:

"علينا ألا ننسى أن الساحة اللبنانية هي جزء من ساحة المنطقة والتي يمكن ان تتحرك لتنفتح على ساحة هنا وساحة هناك، مما يدخل في الخطة الدولية ولاسيما الخطة الاميركية ثم هناك نقطة مهمة جدا ان هذا النوع من الحالة اللبنانية السياسية للجيل الجديد من السياسيين لم تبلغ سن الرشد، ولم ينضج ليملك التخطيط لواقع حماية لبنان من خلال هذه الثغر هنا وهناك، ونحن نلاحظ انه منذ ان بدأ هذا الجيل الجديد من السياسيين لم يستطع لبنان ان يحفظ أمنه وأصبحت التهمة للنظام الأمني هي الفزّاعة تُعالَجُ فيها كل هذه الاغتيالات والتفجيرات وغيرها. ولم يستطع لبنان حتى الآن أن يصل الى مستوى الحكم الذي يحفظ لبنان من كل هذه التداعيات التي لا تزال مختبئة في عمق الواقع اللبناني".

منذ انتهاء الحرب حتى الآن؟

"طبعا". اجاب المرجع الابرز.

نفيت دائما امكان حصول فتنة مذهبية في لبنان رغم الحوادث المعروفة في العراق وبعض ما يجري في لبنان. يشعر الانسان احيانا ان الحساسيات السنية – الشيعية قد بلغت الذروة لكن حكمة المرجعيات الدينية عند الفريقين تطوق الموضوع ادراكا منها ان مصير الوطن في "الدق" في النهاية. وهذا يدفع الى القول انه ليس على اللبناني اذا كان حليفا لجهة اقليمية ان يضحي ببلاده من اجلها وانه يجب على سوريا اذا حشرت في لبنان او خارجه الا تلجأ الى استعمال كل الاسلحة و"الاوراق" التي تملك فيه وان كان ذلك دفاعا عن نفسها. ما رأيك في كل ذلك؟

مصادر
النهار (لبنان)