ليس مجديا اليوم الحديث عن الفجوات في تقرير ميلس، أو التركيز على أنه تقرير أولي أو تتبع أساليب الإيحاء التي احتواها وجعلت من قراءته نوع من التجريم لنظام سياسي. فالمسألة اليوم باتت محسومة رغم أن التقرير مازال "ظنيا"، والتصريحات الأمريكية على الأقل توحي أن المبررات "الظنية" أيضا متوفرة لممارسة إجراءات جديدة على سورية.

وانتقاد التقرير أو تفنيد ادعاءاته ليس كافيا، فهذا التكتيك يجب أن يستمر ولن يكون استراتيجية لمجابهة محطة أساسية في تاريخ سورية، حيث نخضع لمحاسبة "زمنية" لا تحاول حرف سورية عن مسارها، بل تبديل المعالم الأساسية لذاكرتنا وربما لبوادر ثقافة حاولنا إنشاءها منذ بداية القرن الماضي.

عمليا فإن ساعة الحقيقة نواجهها اليوم، وهذه "الحقيقة" ليست مخبأة في تفاصيل تقرير ميلس، أو في زوايا الجلسات السرية لأعضاء مجلس الأمن، بل هي موجودة في داخلنا وقدرتنا على تجاوز الأزمات الحقيقية وإيجاد مساحات نزاع تغرقنا من جديد في فضاء من الفوضى.

ساعة الحقيقة تعني أننا لسنا شركاء في هذا الوطن بل نحن كل متمازج لا ينفعنا الغوص في انتقاد أجزاء من أنفسنا لأن المسؤولية تطال الجميع. وساعة الحقيقة تكشف مدى الهروب الذي مارسناه دون أن نرسم مجالنا الحقيقي بالبحث والقراءة وإظهار قوتنا الذاتية ... وساعة الحقيقة تتطلب بالفعل البحث عما يمكن أن يميزنا حتى نستطيع التعامل به، بدلا من التفكير بأن الحجج ضد ميلس قد توقف الضغط الموجه نحونا.

ما الذي سيدفعنا اليوم إلى رسم تفكير جديد؟!! المسألة اليوم ليست مؤتمرا وطنيا لأننا لا نواجه هذا "الفراغ" السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي ... بل نحن بحاجة لإطلاق مشروع وطني على المستوى الاجتماعي لسبر ممكناتنا وقدرتنا والبحث عن القاعدة الاستراتيجية التي يمكن أن نستند إليها.
المشروع الوطني هو أداة بحث بالدرجة الأولى ... فالافتراق الكبير الذي نعيشه بين إحساسنا بامتلاك الحق ثم عدم قدرتنا على التعامل مع معطيات هذا العصر هو الدافع اليوم لإيجاد مجال جديد للتفكير وللعمل ...

الأجراء السياسي اليوم ربما لا يحمل سوى مبادرة جزئية لمواجهة المستقبل ... والمهم هو أن يكون هذا "الكل" الاجتماعي قادرا على العمل والتعامل مع الاستحقاق السوري ومع الغد الذي لا نستطيع الهروب منه.