تصعّد واشنطن ضغطها على دمشق أحد أهم شركاء موسكو في الشرق الأوسط. وتتوالى الأنباء من مصادر قريبة الصلة من الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة تبحث عن بديل للرئيس السوري بشار الأسد. ويرى مراقبون أن ما يمنع واشنطن من إسقاط نظام الحكم في دمشق هو عدم وجود من يمكن تنصيبه خلفا للأسد.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستقدم الولايات المتحدة الأمريكية على عملية عسكرية جديدة في الشرق الأوسط على الرغم من تصاعد العنف في العراق والتوتر المتعلق ببرنامج إيران النووي وعدم الاستقرار على المسار الفلسطيني الإسرائيلي واحتمال اندلاع حرب أهلية في لبنان، أم ستكتفي واشنطن بإصدار بيانات قوية على أمل أن تقبل دمشق شروطها؟

المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد ويلتش، على سبيل المثال، لفت إلى "أمور هامة جدا ترجو واشنطن من دمشق ألا تتدخل فيها.. ولكن سلوك السوريين يظل على حاله". أما أحد خبراء معهد بروكين فلينت ليفيريت فقد أشار إلى أن إدارة بوش تدرس إمكانية إجراء عمليات في منطقة الحدود العراقية السورية مع دخول الأراضي السورية بهدف الضغط على نظام الحكم في دمشق. وقال موظف سابق في الإدارة الأمريكية لـ"فاينانشل تايمز" إن الأمريكيين يريدون إيجاد من يمكنه أن يحل في مكان الأسد.. "ولكن إيجاد شخص يمكنه أن يتولى أمور السلطة ويبدأ تعاونا مع الولايات المتحدة الأمريكية أمر ليس يسيرا".

وفي الوقت الذي يرى مراقبون أوروبيون وأمريكيون وعرب كثيرون أن تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا يملك مقومات القوة السياسية المؤهلة لتولي أمور السلطة كبديل لنظام الحكم الحالي. ويرى بعض المراقبين في الشرق الأوسط أن هذا التنظيم يستطيع قطع الطريق على فوضى في حال قلب نظام الحكم، يبحث الفرنسيون أيضا مسألة تغيير نظام الحكم في سوريا كليا أو جزئيا. وباتت فرنسا تسعى إلى تنشيط دورها في المنطقة. وأفيد بأن شخصيات معارضة سورية أصبحت تتردد على باريس أمثال عبد الحليم خدام النائب السابق لرئيس الجمهورية السورية، وحكمت الشهابي رئيس الأركان السوري السابق اللذين كان لهما في باريس لقاء مع سعد الحريري ابن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وأيضا مع عدد من المسؤولين السياسيين من دول عربية مجاورة لسوريا. وقالت مصادر على صلة بهذا اللقاء إن الحديث فيه جرى عن مستقبل دمشق السياسي. وقيل في رواية أخرى إن هذا اللقاء لا يعدو كونه مجرد لقاء بين أقارب. ذلك أن بين الحريري الابن وكل من خدام والشهابي نسبا.

يذكر هنا أن باريس وواشنطن تستخدمان التحقيق الذي تجريه اللجنة الدولية في اغتيال والد سعد الحريري كوسيلة للضغط على دمشق ويمكنهما أن تتخذا ما سوف تخلص إليه لجنة التحقيق من استنتاجات أساسا لفرض عقوبات اقتصادية على سوريا. ولا تعلق المصادر الرسمية الروسية على احتمال تغيير نظام الحكم في سوريا. ومع ذلك، فمن الواضح أن موسكو لا تريد أن يحدث هذا السيناريو، لأن سوريا شريك أمين وخاصة في "مجالات حساسة" وفقا لما قاله مصدر دبلوماسي. وبصفة عامة فإن موسكو، كما يقول المصدر، تنظر نظرة سلبية إلى مغامرات تهدف إلى تغيير أنظمة الحكم عن طريق الثورة البرتقالية أو ما أشبه كما تنظر موسكو نظرة سلبية إلى محاولات غرس الديمقراطية بمعايير اعتباطية.

في هذا السياق يمكن أن نسوق بعض الأمثلة الدالة، مثل رأي مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الملكي للعلاقات الدولية في لندن نادم شهادي الذي يظن، مثلا، أن النظام السوري يبقى قائما لأن ثمة تخوفات تخشى أن تحل فوضى في سوريا في حال تفكيكه على غرار ما حدث في العراق، ثم يصل متطرفون إلى الحكم. ولو تم تغيير النظام من الداخل ربما ساعد ذلك على تجنب سيناريو العراق، ولكن يجب إيجاد سند داخل النظام الحالي وهو ليس موجودا بعد. أما رئيس معهد الدراسات الإسرائيلية والشرق أوسطية في موسكو يفجيني ساتانوفسكي فيرى أنه لا يمكن تنصيب أحد في مكان الأسد إلا بعد أن يتم القضاء على النظام السوري من خلال حرب غير محمودة العواقب. وهناك توتر شديد في إيران، فيما أصبح العراق مجموعة من المناطق بينما بلغ لبنان حافة الحرب الأهلية بعد الانسحاب السوري في حين أن النظام السوري اليوم نظام ثابت يلجم جماح الإسلاميين ولديه استعداد للتعاون مع الغرب. وسوف يؤدي أي عمل للإطاحة بالأسد إلى أن تصبح سوريا عراقا جديدا.

بالطبع لا ترى روسيا صالحها في تغيير النظام في سوريا وفي استمرار التجارب التي تجريها وزارة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ولم يعد العرب والإسرائيليون والإيرانيون والأتراك وحتى الأكراد يريدون هذه التجارب، فيما يبدو، فكل ما تفعله وزارة الخارجية الأمريكية عبقري تكتيكيا ولكنه حماقة على المستوى الاستراتيجي". فتفكيك أنظمة الحكم الفردي نظرية قديمة للسياسة الأمريكية توجت بحرب العراق. ومع ذلك فإن البحث عن حل وسط مع كوريا الشمالية أظهر أن الأمريكيين باتوا يحكمون العقل عندما يتعاملون مع مسألة اللجوء إلى استعمال القوة، وإن كانوا ما زالوا يتمسكون باللغة الصارمة والتهديد باستخدام القوة. وتشهد الولايات المتحدة الأمريكية تذمرا إزاء نتائج حرب العراق ومستقبلها. وتهيئ هذه الحرب فرصة لانتقاد بوش وحزبه الجمهوري. وهكذا تنشأ محددات تعويقية داخلية في ما يخص المزيد من العمليات العسكرية. وفضلا عن ذلك نرى أن كوريا الشمالية وليبيا وإيران تأخذ في الاعتبار التهديدات الأمريكية وبدأت عوامل رادعة تتبدى في سياستها. فإن الحرب الجديدة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي بالمنطقة والإدارة الأمريكية على السواء إلى التهلكة".

مصادر
الوطن (السعودية)