الخلاصة الاولى والأهم التي يمكن الخروج بها من التقرير الذي سلمه القاضي ديتليف ميليس الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان حول التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هي ان مسؤولية النظام السوري في الجريمة لا جدال فيها. فمن القرار الى التخطيط وفي ما بعد التنفيذ بدت مسؤولية المخابرات السورية جلية لا تحتمل اللبس، اقله في التقرير نفسه، وفي الاستنتاجات التي خرجت بها عواصم القرار الدولي والعواصم العربية الكبرى التي لم تصدر ردود فعل مبكرة في انتظار جلاء الموقف في مجلس الامن خلال اليومين المقبلين. والسؤال هنا على اي مستوى اتخذ قرار اغتيال رفيق الحريري في دمشق؟ وهل الاسماء التي طرحت في البداية والتي سحبت في ما بعد من التقرير وهي تشمل معظم عائلة الرئيس بشار الاسد الذين يتولون مسؤوليات في الدولة – هل هذه الاسماء هي المستوى الاعلى للقرار؟ ام ان قرارا على مستوى النظام كله اتخذ بتصفية الحريري الذي كانت القيادة السورية تناصبه العداء بسبب اعتبارها له انه يهدد مصالحها في لبنان؟ واين مسؤولية الرئيس بشار الاسد نفسه؟

الخلاصة الثانية هي ان الجنرالات الاربعة المتهمين بالضلوع في الجريمة على مستويات متنوعة سيبقون نزلاء السجون لمدة طويلة، بل طويلة جدا. ولعل المفارقة هنا ان يسقط في هذا التحقيق من اعتبر لمدة طويلة صانعا محليا للرؤساء والوزراء والنواب. وقيل انه اذكى الجميع. والنتيجة ان الذكاء الحاد دونه والنجاح الغرور والذهاب بعيدا في الاجرام. وكم صدق من ظل يقول لمدة طويلة ان هذا المتذاكي طارئ ولا مستقبل له في لبنان ولا جذور، ففي احسن الاحوال سيرحل الى سفارة في الخارج، وفي اسوأها سيذهب الى منزله محملا بغنائم السلطة التي تجمعت بين يديه لسنوات طويلة. وفي النهاية ذهب الى السجن.

الخلاصة الثالثة ان مصير رئيس الجمهورية اصبح مطروحا اكثر من اي وقت مضى، فلا يعقل ان يكون محوطا بالمجرمين والمرتكبين والمشتبه فيهم على صعد عدة من دون ان يكون له حساب في هذه الوضعية التي لا تشرّف رئيسا للجمهورية، وهي انما تعكس صورة للبلاد في الخارج مفادها ان للبنان رئيسا للجمهورية تحوطه وبطانته شبهات كبيرة في قضايا كبيرة اقلها السطو على بنك المدينة والحصول على كوبونات نفط، ومداخيل كازينو لبنان، وقد لا تنتهي عند استطابته رفقة مشتبه فيهم من نوع مصطفى حمدان، وريمون عازار وجميل السيد، وتطول اللائحة. من هنا المطلوب من المرجعيات السياسية و الروحية المعنية، من البطريرك الماروني، الى الدكتور سمير جعجع، فالنائب ميشال عون ان يسرعوا لحل هذه المسألة برفع الغطاء عن هذا الرئيس القابع في بعبدا لان المسألة تتخطى المنصب، والمقام وحتى مكانة الطائفة المارونية الكريمة. المسألة اخطر من ان تعالج حصريا في اطار التوازنات والهواجس الطائفية التي نتفهمها جيدا.

الخلاصة الرابعة وتتعلق بالمسرح اللبناني الذي يتجاوز رئيس الجمهورية نفسه. وهنا سيكون من الصعب على اي كان من القوى السياسية الاساسية المعتبرة قريبة من دمشق تغطية الموقف السوري عندما يكون التحقيق الدولي بلغ حد توجيه الاتهام الصريح كما جاء في التقرير. وهنا نعول على موقف "حزب الله" وحركة "امل" من ان يكونا عند مستوى آمال معظم اللبنانيين، فلا يضعفان امام موقف النظام السوري الذي يتهم التحقيق بالتسييس. وسؤالنا هنا: هل يريد النظام السوري ان يغتال الناس ويفلت من العقاب والمحاسبة؟ وهل يعقل للحظة واحدة ان يكون لبناني واحد بجانب القتلة ضد الشهيد؟ اسئلة ينبغي تفحصها جيدا من الجميع لان المسألة خطرة وخطيرة في آن واحد.

فالمطلوب ان يكون الجميع لبنانيين اولا، بجانب الحق والحقيقة.

الخلاصة الخامسة، هي على مستوى مصير النظام السوري. وهنا نقول ان التقرير انهى تصنيف النظام على انه مارس الارهاب بالاغتيال. هذا على اقل تقدير. ثم ان وضعية نظام بشار الاسد تقرّبه كثيرا من تصنيف النظام المارق او الخارج على القانون. عند هذا كل الاحتمالات واردة. من هنا سؤالنا منذ البداية عمن يكون ذلك العبقري الذي مدد للحود واغتال الحريري؟ هذا العبقري دمر رصيد اربعة عقود في اقل من تسعة اشهر. انه حقا انجاز لا سابق له!

اخيرا، وليس آخرا، نصل الى الخلاصة الآتية، وهي ان عهد الاغتيالات المجزية قد ولّى. وباتت الاغتيالات فيه مكلفة، بل قاتلة. ولنا مثال في جريمة الحريري.

مصادر
النهار (لبنان)