لا يوجد هناك أدنى شك على أن الحكومة السورية تعيش هذه اللحظة أخطر أزمة في حياتها منذ حرب 73، وربما أعظم. دمشق اليوم متهمة بشكل صريح من قبل المحقق الدولي والفريق الأمني معه بأنها متورطة في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري. اتهام لن تتحداه الدول الاعضاء في مجلس الأمن، فهي التي أقرت بمبدأ التحقيق ووافقت على تشكيلة اعضاء الفريق بجنسياتهم وأسمائهم. أيضا سورية لم تعترض حينها.
امام دمشق خيارات قليلة جدا ابرزها اثنان، الرفض او التعاون. الرفض سيعني انها ستواجه واحدة من حالتين لا ثالث لهما. الأولى الحالة العراقية يوم رفضت بغداد وعاندت، فحوصرت وتنازلت متأخرة جدا وأخيرا جرت الى حرب حتى انهارت. والحالة الليبية عندما رفضت طرابلس التعاون فحوصرت حتى انهكت وعندما اوشكت على الملاحقة العسكرية، قبلت ما كانت ترفضه في الماضي وانتهت ازمتها.

أما الخيار الثاني امام سورية فهو القبول والتعاون الذي سيعني ان يفصل النظام بينه وبين الجريمة، مهما كانت الحقيقة، والتضحية بالمتورطين الاساسيين، وبالتالي تجنب السنوات الكارثية المقبلة. هو الحل الأهون الذي سيوفر الكثير من الآلام والمتاعب، وسيجنب سورية كارثة محققة.

بامكان دمشق قلب الطاولة والاستفادة من الأزمة لتخرج بوضع جديد بأقل قدر من الخسائر، فتتعايش مع الواقع الجديد الذي تعايشت معه دول أكبر من سورية وأعظم نفوذا. ولو غلبت التعاون على الرفض، مع التصريح بتحفظاتها، فإنها ستنتقل الى فصل جديد أكثر أمنا، وستفشل أي محاولة لانهاك نظامها وخلخلة استقرارها. فجميع دول المنطقة ترغب في ان تبقى دمشق مستقرة وستفعل ما بوسعها لتحقيق ذلك، لكنها لن تقدر على مد يدها بدون ان تستأنف دمشق نفسها التعاون، مثلما فعلت في البداية بسحب قواتها والقبول بالتحقيق. سورية رقم مهم في المنطقة لأسباب كثيرة، وأول من يدرك ذلك هم اللبنانيون انفسهم. ولا يوجد من يجادل ضده الا من يريد ركوب الأزمة مستعينا بالادانة الدولية لكبار موظفي النظام، وتورطهم بأدلة دامغة في جريمة بالغة الخطورة. بامكانهم جر سورية الى متاهات كثيرة، وتعقيد المسار السياسي والأمني طالما ان هناك اجماعا دوليا متمثلا في اعضاء مجلس الأمن الذين أقروا التحقيق ونتائجه.

الذي نرجوه ان تدرس دمشق التجربتين العراقية والليبية، مع الانتباه الى ان الوضع السياسي والأمني في الوضع الراهن اسوأ مما كان عليه بالنسبة للنظامين الآخرين. اليوم توجد قوة جبارة على طول الحدود السورية العريضة، وهناك موقف لبناني غاضب مما حدث، وتوجد أدلة دامغة، بخلاف ادلة تفجير طائرة لوكيربي ضد ليبيا. ستكون سورية صيدا سهلا لمن يريدها.

في مثل هذه الأزمات تتجلى الحكمة السياسية التي تقدم البلد على الفرد، والمصلحة العامة على الخاصة، وتجرع الاتهامات من اجل تجاوز العقوبات.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)