كشف ديتليف ميليس المستور و’’بق البحصة’’ في تقريره الموجز عن جريمة الرابع عشر من شباط، وقال بالفم الملآن أن المسؤول عن اغتيال الحريري هو النظام الأمني السوري اللبناني المشترك، مرفقا ذلك بقائمة طويلة وعريضة من المشتبه بتورطهم، عارضا بشيء من التفصيل أدوار كثير من المتورطين، في التحريض والتعبئة والتخطيط والتنفيذ. كثير من المعلومات التي تضمنها التقرير سبق البوح بها، لكن مع ذلك كله، لم يخل التقرير من عنصر المفاجأة والإدهاش، سيما حين يتعلق الأمر بمستوى التورط السوري وأشكاله ومساراته، أو حين يتعلق الأمر بدور رئيس الجمهورية اللبنانية وصلاته ببعض المشتبه بهم، أو حين يتعلق الأمر ببعض حلفاء سوريا وعملائها مثل الجبهة الشعبية - القيادة العامة وجمعية المشاريع - الأحباش التي انتعشت كالنبت الشيطاني زمن الوصاية السورية على لبنان. من الجانب السوري، يمكن القول أن الحلقة الضيقة من النظام، صاحبة السلطة ومطبخ القرار، متورطة في الجريمة وفقا للتقرير: الرئيس هدد وتوعد بتكسير لبنان على رأس الحريري، زوج اخته ورئيس استخباراته آصف شوكت ضالع حتى النخاع في التخطيط والتنفيذ والتمويه بدلالة شريط أبو العدس ومن ثم إخفاء الرجل أو إعدامه، بهجت سليمان رجل النظام القوي والمقرب من الرئيس متورط بدوره، رستم غزاله ومعاونوه متورطون في التخطيط والتنفيذ والتنسيق، فاروق الشرع، الوزير المقرب من الرئيس وشريكه في التفكير السياسي، ضالع في لعبة ’’تضليل العدالة’’، وهناك ثلاثة مسؤولين آخرين تحدث عنهم التقرير من دون أن يذكر أسماءهم، لا نعرف من هم ولا الأدوار التي قاموا بها، فمن بقي من النظام إذن، خارج اللعبة واستتباعا خارج قفص الاتهام؟ وفي لبنان، ثمة شبهات تحوم حول دور مفترض لرئيس الجمهورية الذي يتلقى وكبار معاونيه الأمنيين اتصالات هاتفية من المدعو أحمد عبد العال من الأحباش، فما هي القصة ومتى كان بعبدا على كل هذا الغرام مع هذه الحركة الدينية المتلبسة، ما هي الأدوار وأين ستنتهي خيوط التحقيق ؟. أما الجبهة الشعبية - القيادة العامة، التي كادت مؤخرا تزج الشعب الفلسطيني في معارك لا طائل من تحتها ولا ناقة له فيها ولا جمل ، فإن لها تاريخا من التعامل التبعي / الذيلي مع دمشق، يبدأ بانحيازها لتدخلها العسكري في لبنان عام 1976 ويمر بحربها المدعومة سوريا على المنظمة وعرفات في العام ،1983 ولا تنتهي بانضوائها في مشاريع سوريا للبنان بعد انسحابها منه، هذا الفصيل يبرز اليوم كعبء سياسي وأخلاقي وأمني على الشعب الفلسطيني، وأحسب أنه آن الأوان لنقل هذا العبء إلى كاهل من يستفيدون منه ويوظفونه بدل أن يظل مثقلا لكاهل الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ميليس في تقريره شد الحبل ضيقا وبإحكام، حول عنق القيادة السورية وحلفائها في الرئاسة اللبنانية وأعوانها من ناصر قنديل إلى الأحباش مرورا باحمد جبريل و’’مستر إكس’’ اللبناني الذي من المتوقع أن يكون شخصية من العيار الثقيل، والمرجح أن يواجه هذا التحالف مستقبلا مظلما على دروب العقوبات والتحقيق الدولي والمحاكم متعددة الجنسيات.

مصادر
الدستور (الأردن)