وبعد انتظار طويل، وبعد مد وجزر، وبعد العديد من التسريبات التي كانت تتناسب مع مصالح الأطراف الذين يعلنونها والتي كانت اللاعب الأساسي في الكثير من القضايا الداخليه اللبنانية خلال الفترة السابقة.
بعد كل هذا يظهر المحقق ميليس ليطلع العالم والرأي العام على مضمون تقريره الذي قدمه لمجلس الأمن بخصوص قضيه إغتيال رئيس مجلس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وطبعا اختلفت ردود الفعل وطريقة قراءة هذا التقرير كل جهه بحسب ما يناسبها فمنهم من اعتبره تقريراً كاملاً وتم على مستوى عال من التقنيه المهنية، ومنهم من لم يرى فيه اي ادله حسية تتهم جهه معينه واعتبروا كل ما ورد فيه عبارة عبارة عن استنتاجات وتخمينات.
وطبعا كان هناك نقاط اساسية ورئيسية في التقرير المقدم وهذه النقاط يمكن دراستها ويجب قراءة ما بين سطورها وما النتائج السياسية البعيدة المدى التي ستؤدي لها بغض النظر عن صحتها أو عدم دقتها.
النقطة الأولى: ذكر اسم رئيس الجمهورية اللبناني إميل لحود في التقرير ونلاحظ هنا انه قد تم ذكر اسمه لمرة واحدة وبطريقة واهيه وغير واضحة ولا تتمتع بالدقه عند ورود اسم رئيس جمهورية في مثل هكذا تقرير وهذا ما سيعطي السبب والتغطية القانونية نوعا ما لأطراف معينة كانت تطالب بإستقاله الرئيس وهذا ما كانوا يعملون عليه منذ فترة طويلة.
 النقطة الثانية: تم ذكر جماعة الأحباش ضمن التقرير وهي كما يعلم كل المتعمقين في الشأن اللبناني من الجماعات التي تصنف ضمن الأقليات التي تعتبر نفسها مهددة ومحاربة وخصوصا من الجماعات الإسلامية والتي كان هناك مواجهات فيما بينهم من قبل وطبعا ذكرها في مثل هكذا تقرير لحادثة قتل قائد سني كبير سيؤلب عليها الرأي العام وهذا سيؤسس لخلافات اجتماعية داخلية وتوترات قد تؤدي لخلل امني وبداية لحرب اهليه محتملة خصوصا ان هذه الجماعة تملك جهاز امني خاص بها يعمل على مستوى عالي على الأرض.
النقطة الثالثة: ذكر اسم جماعة احمد جبريل في التقرير واتهامها بالمساعدة في هذه الجريمة، ولا يخفى على احد معنى ان يتم الإشارة الى تدخل جانب فلسطيني في هذه الجريمة التي تمس اللبنانيين بقوة مع وجود توتر اساساً على الساحة بين الجانبين واختلافات حول العديد من التي تتعلق بالسلاح الفلسطيني والأوضاع الإجتماعية والحقوقية للفلسطينين فبالتالي هذه الإشارة ستزيد من هذا التوتر وستعطي الطرف الأمريكي المطالب بنزع سلاح التنظيمات الفلسطينية سبباً وحجة للتشدد في هذا الطلب تجت غطاء قانوني ودولي وتأييد شعبي داخل لبنان لما يلف هذه الجريمة من حساسية في الداخل اللبناني.
النقطة الرابعة: تم ذكر عبارات ومقتطفات من مكالمات هاتفية ومحادثات على انها جرت بين مسؤوليين سوريين والرئيس الشهيد كفيلة بأن تثير عامة الشعب اللبناني وتزيد من مستوى التوتر والحساسيسة بين الشعبين اللبناني والسوري و تحرك الشعور الوطني للعامة تجاه التطاول المزعوم على بلدهم ممثل بالرئيس الحريري الذي اصبح يعتبر الآن كبطل وطني دفع حياته ثمناً للنظام الجديد ولإستقلال لبنان والتخلص من الوصاية السورية.
النقطة الخامسة: أورد التقرير ضمن صفحاته عن عمليه تضليل قامت بها الجهات السورية للتحقيق وأورد اسم السيد فاروق الشرع وزير الخاريجية السوري والذي يعتبر رأس الخارجية السورية الأمر الذي يعطي صورة غير صادقة ومشوشة للجهود الخارجية الديبلوماسية السورية مع جهات دولية للعمل على الرد على الهجمات الدبلومسية الأمريكية المحتملة والعمل على شرح الموقف السوري للجهات الدوليه الي يمكن ان تقف بجانب الموقف السوري وتؤيده.
النقطة السادسة: تبين بعد صدور التقرير بوجود نسخة أخرى تم توزيعها على الصحافة تتضمن اسماء مسؤولين سوريين ولبنانيين لم يتم ذكرهم ضمن النسخة الرسمية وذلك يمكن أن يعتبر رسالة مبطنة للنظام السوري خصوصا مع وجود اسم الأخ الأصغر للرئيس السوري ماهر الأسد ضمن الاسماء المذكورة.
النقطة السابعة: عند سؤال المحقق ميليس عن سبب عدم ورود تلك الأسماء في التقرير النهائي الذي تم تقديمه اجاب لإنها وردت ضمن أقوال شاهد واحد وهذا لا يعتبر دليلاً فلم أجد انه من المناسب ان يتم ذكرها، مع العلم ان المواضيع المتعلقة بأغلب الاسماء الذين تم ذكرهم بالتقرير كانت بنفس الطريقة وخصوصا اسم السيد آصف شوكت الذي ورد مرة واحدة ضمن اقوال شخص واحد يدعي انه كان موجودا عندما قام اللواء آصف شوكت بتهديد المدعو أحمد ابو العدس ليسجل شريط الفيديو الذي تبنه به العملية.
النقطة الثامنة: وتتعلق بالشهود الذين تم الإعتماد على أقوالهم ضمن التحقيق فهم شهود لم يتم الكشف عن اسمائهم ليتم التحقق من صحة أقوالهم وبقوا شهود مجهولي الهوية وهذا يعطي المحقق القدرة على استخدامهم كوسيلة دعائية، والشيء المهم الثاني في موضوع الشهود انهم من المفروض وكما ورد بالتحقيق عن شهاداتهم انهم كاموا حاضريين في الإجتماعات التي تمت للتخطيط لعملية الإغتيال ومنهم من حضر ايضا جلسات الضغط على المدعو احمد ابو العدس ليقوم بتبني العملية ومنهم من دخل ايضا معسكرات تدريبية وشاهد عمليه تفخيخ السيارة والتي كانت اداة الجريمة مع انه ورد في نفس التحقيق ان هذه السيارة قد تم سرقتها من اليابان كما ظهر بعد متابعة ارقام محركها، وهنا يستوقفنا السؤال عن ماهية هؤلاء الشهود ومكانتهم لدى النظام السوري ليستطيعوا ان يحضروا مثل هكذا اجتماعات والتي إن تمت فيجب ان تكون على مستوى عال من السرية وان لا يحضرها سوى اشخاص محددين ومعنيين بالعملية وعن مدى معرفة هؤلاء الشهود الدقيقة بما حصل والذي يدل على انهم اصحاب مسؤوليات عالية كما هو المفروض فكيف ذلك والمحقق يقول ان احدهم وهو اهمهم (بعد الشاهد الذي تحول لمتهم) من اصل سوري ويعيش في لبنان فكيف بإمكان هذا المواطن ان يكون قد دخل الى هذه الإجتماعات المهمة والخطيرة او سمح لغيره ان يرى عملية تفخيخ السيارة كما يدعي.

ومن نظرة بسيطة الى هذه الفسيفساء الخطيرة الذي يتضمنها التقرير وما يحمل ضمنه من قنابل موقوته يمكن ان تنفجر بأي لحظة وتحيل لبنان والمنطقة الى لغة الحرب من جديد ومع الأخذ بعين الإعتبار ان التقرير لم يتضمن دلائل واضحة وصرية وقطعيى الى اتهام جهو ما بل كان عبارة عن تحاليل واستنتاجات في اغلبه فإننا نستطيع ان نشكل وجه نظر حول دقة هذا التقرير ومصداقيته والأهم مدى حياده في تقديم المعلومات والأدلة التي ساقها للرأي العام العالمي في قضية تعتبر حساسة جدا في المنطقة ومن القضايا التي سيكون لها دور كبير في تغيير خارطة القوى والعلاقات ومستقبل المنطقة بالكامل.
وطبعا سيبقى هذا التقرير محورا للجدل بين مختلف الأطراف وإختلاف كبير بالآراء ولكن الذي لن يقبل النقاش ولا الجدل ان هذا التقرير سيكون ورقة الضغط الأقوى والأغلى بيد الإدارة الأمريكية للضغط على النظام السوري لتمرير طلباتها وتحقيق ما تريد من هذا النظام.

مصادر
ايلاف