تحدث المرجع الديني الأبرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية عن احتمالات الفتنة المذهبية في لبنان التي تمنعها حتى الآن حكمة المرجعيات الدينية وعن عدم ضرورة اقدام اللبناني على التضحية ببلاده لمصلحة حليف خارجي اقليمي أو غيره وعن عدم عدالة لجوء سوريا اذا "انحشرت" الى استخدام كل "الاسلحة" اللبنانية التي تملك دفاعاً عن نفسها قال: "أتصور ان المسألة المذهبية وخصوصاً بين السنة والشيعة سوف تجعل سوريا تخسر الكثير في لبنان مع ملاحظة اخرى وهي ان النسيج اللبناني الاسلامي يملك من المناعة في علاقة السنة مع الشيعة بالمستوى الذي لا تستطيع أية جهة ان تصل الى مستوى درجة الفتنة. قد يتحدث البعض عن امكان حصول فتنة مسيحية – اسلامية. لكن من خلال دراستنا للأرض الاسلامية فإننا نلاحظ صعوبة التفكير في فتنة سنية – شيعية. ولذلك فإن سوريا لا تستطيع السير في هذا الاتجاه لأنه سيرتد عليها في سوريا".

كيف يمكن ان يكون احتمال حصول فتنة مسيحية – اسلامية اقرب من احتمال حصول فتنة سنية – شيعية في لبنان؟

اجاب المرجع الاصولي الأبرز:

"لا أقصد ان هناك فرصة لذلك ولكن أقول ان الفتنة السنية – الشيعية أبعد، وربما نلاحظ ذلك عندما نجد ذلك من خلال الاوضاع والقيادات المتنوعة مثلاً لدى المسيحيين مضافاً اليها بعض العقد التي قد تتحرك من هنا وهناك من خلال قيادة سياسية هنا وهناك. ولا أقول ان هناك فرصة قريبة لذلك. ولكني كنت اريد ان اؤكد ان هذه القضية مستبعدة".

هل يمكن ان يُستعمل الفلسطينيون في لبنان سواء الذين منهم في المخيمات او الذين خارجها من المعتبرين حلفاء لسوريا في أي دور؟

اجاب المرجع الاسلامي الابرز:

"لا اعتقد ان لهم أي دور في اثارة الواقع السياسي مقارناً بالواقع الأمني في لبنان. ان الفلسطينيين ضعفوا من خلال التطورات التي حصلت، لأنهم كانوا يتحركون في انتماءاتهم على قاعدة انتمائهم الى هذا البلد العربي أو ذاك. بالاضافة الى انني اعتبر ان وجود المقاومة الاسلامية في لبنان وحاجة الفلسطينيين الى هذه المقاومة يمنع الفلسطينيين من العبث بأي وضع لبناني. فعندما نجد ان المقاومة الاسلامية قد استطاعت ضبط الحدود اللبنانية، ولم تمكّن الفلسطينيين من التحرك على مستوى المقاومة الفلسطينية فان معنى ذلك انها تملك الرشد السياسي والقوة العسكرية ولا تسمح بوجود فتنة فلسطينية تأكل الواقع في لبنان".

هناك حالياً مواجهة بين سوريا واميركا والاميركيون لا يزالون يقولون ان التسوية مع سوريا ممكنة في حال نفذت كذا وكذا من الشروط. منذ 2001 الى 2004 كانت اميركا تريد صفقة مع سوريا وكانت تلح على ذلك كلما تزايدت حاجتها الى سوريا سواء في لبنان او في العراق او في الموضوع الفلسطيني. يومها لم تكن سوريا جاهزة للصفقة. وكل ما فعلته طيلة هذه السنوات كان تعاوناً أمنياً محدوداً يتيح لسوريا الاستمرار خارج دائرة الغضب الاميركي وانتظار تعثر اميركا وشعورها بالحاجة الى دمشق الأمر الذي يمكّنها من المحافظة على "نفسها" وعلى دورها في لبنان والمنطقة. تعثرت اميركا. لكن ذلك لم يحقق الأحلام السورية، الآن تريد سوريا حواراً مع اميركا. لكن اميركا مع قولها ان الحوار ممكن فانها ترفقه بطلبات في لبنان والعراق وخارجها بحيث تبدو كأنها تسعى وراء صفقة "قذافية". هل أنت مع هذا التحليل؟ وما هي رؤيتك لكل هذا الموضوع؟

اجاب المرجع الاسلامي الاصولي الأبرز:

"لا أتصور ذلك. لماذا؟ لأنه لا بد لنا وأمام هذا الجو الأميركي في الضغط على سوريا ان نطرح سؤالاً: ماذا تريد اميركا؟ هل تريد عراقاً جديداً في سوريا؟ هل تريد تكرار مسألة صدام حسين أو احتلال سوريا؟ هل ان الظروف السياسية العربية تسمح بضربة قاضية لسوريا على طريقة الضربة القاضية للعراق. انني من خلال متابعتي للوضع، فان اميركا تضع في خطتها تطوراً ما، وأفهم انها تريد ان تضغط على سوريا ضغطاً اقتصادياً كالعقوبات التي حاصرتها سابقاً العزلة السياسية التي تبشّر بها واستطاعت ان تنفّذها بطريقة وبأخرى، فيما يعني ان هذا النوع من الجدال السوري – الاميركي سوف يبقى طويلاً، وكما يقال "ضربة على الحافر وضربة على المسمار". ولا أزال استحضر فكرتي سابقاً ان اميركا في حاجة الى سوريا، وسوريا هي البلد العربي الوحيد الذي لا يزال يرفع الشعارات القومية في العالم العربي، ويستهوي الشباب العربي، وهي بحسب ما تملك من خطوط أو خطط تستطيع الضغط على الاصوليين والراديكاليين والفلسطينيين. فالقضية هي ان سوريا تختلف عن العراق في النظرة الاميركية لأن لها دوراً قد يكبر وقد يصغر ولا يملكه اي بلد عربي آخر. وعندما ندرس التصريحات الأخيرة لاسرائيل عدا رئيس الاستخبارات، نلاحظ انها تتحدث بأنه ليس من مصلحتها اسقاط سوريا بل الاكتفاء باضعافها لشعورها بالخطر الكبير عند الحدود لخوفها من البدائل المطروحة. أما الحديث عن ان سوريا يمكن ان تخضع للهجمة الاصولية اذا اوقفت التدخل في العراق فإني أرى ان الاصوليين بالمعنى السلفي العنيف لم يصلوا في سوريا الى المستوى الذي يستطيعون فيه ان يمارسوافيها ما يمارسونه في العراق. لأن ذلك سوف يجعلهم محاصرين، وسوف يحاصرون في العراق عندما تضيّق سوريا عليهم الحدود ومحاصرين في سوريا، ولا سيّما اذا كانت هناك بعض الاتفاقات مع سوريا في هذا المجال.

المسألة ليست بهذا التبسيط ولست في مقام اطلاق أحكام كبيرة ولكن القضية ليست بهذا التبسيط".

أميركيون كثيرون قالوا لا نريد خوض حرب ضد سوريا فالعراق يكفينا، ولم يقولوا انهم يريدون اسقاط النظام السوري. لكن قالوا في المرحلة الاخيرة اذا كان هذا النظام سيسقط لن نفعل شيئاً لمساعدته على البقاء أو الاستمرار. ما رأيك في ذلك؟

مصادر
النهار (لبنان)