دعت واشنطن ولندن أمس إلى تحرك دولي في ضوء <<الاتهامات الخطيرة جداً>> التي وجهها تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس إلى سوريا، وفيه <<إشارة قوية للغاية>> بأنها كانت <<متورطة بشكل ما>> في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.

كذلك، أعلن الرئيس الروماني ترايان باسيسكو، الذي تتولى بلاده هذا الشهر رئاسة مجلس الأمن الدولي، أن على هذا المجلس أن يحذر سوريا بأن عليها أن تتوقف على أن تكون <<عامل عدم استقرار>> في الشرق الأوسط.

وأوضح باسيسكو، عقب لقائه مستشار الأمن القومي الأميركي سيتفن هادلي في بوخارست أمس، أن الخطوة الأولى يجب أن تكون مواصلة التحقيق (في اغتيال الحريري)، والثانية تحذير جدي جداً لسوريا بأن تتوقف عن أن تكون عامل عدم استقرار في المنطقة.

رايس وسترو

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس، في مقابلة مشتركة مع نظيرها البريطاني جاك سترو بثتها هيئة الإذاعة البريطانية <<بي بي سي>>، <<أنا مقتنعة بأننا سنقرر ما ينبغي القيام به عندما يلتئم المجتمع الدولي، إذ لا يجوز ترك هذه القضية معلقة
وعلينا أن نتحرك فعليا>>. وأضافت أن تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس <<يثير القلق، ويشير على الأقل إلى أن سوريا لم تتعاون... وهناك أيضا إشارة قوية للغاية بأن سوريا كانت متورطة بشكل ما في اغتيال رئيس الوزراء السابق الحريري. لذا فإن هذه اتهامات خطيرة للغاية>>.

وفي وقت لاحق، قالت رايس <<أنا فعلا واثقة بأننا سنحصل على رد من النظام الدولي، وهذا ليس بالتأكيد نحن ولكن النظام الدولي هو الذي طلب في القرار 1559 بأن تنسحب سوريا من لبنان>>.
أما سترو فاعتبر من جهته أن <<مجرد انعقاد مجلس الأمن الدولي على المستوى الوزاري يشكل إشارة واضحة للسوريين... إن موقفهم غير مقبول>>. وأضاف <<لدينا ما يكفي من الخبرة للقول... انه عندما يُظهر المجتمع الدولي تصميماً ووحدة فإن الحكومة السورية ستفهم الرسالة، وعلى (السوريين) أن يفهموا انه لا يمكن أن تتورط حكومة في عمليات اغتيال، على أي مستوى كان>>.

وقال سترو إنه لا يعرف ما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد كان على علم بأي شيء بشأن اغتيال الحريري. وأوضح <<لا نعرف ذلك. ما نعرفه هو أن التقرير يشير إلى أن أشخاصا على مستوى رفيع في هذا النظام السوري ضالعون في الأمر>>. وأضاف <<لدينا أيضا أدلة من تقرير ميليس على وجود إفادات باطلة أدلى بها أشخاص بارزون في النظام. هذا خطير للغاية>>. أما وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليو ماري فدعت من جهتها سوريا إلى التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، مشيرة إلى أن أي بلد يثبت تورطه في اغتيال الحريري يجب أن يواجه عقوبات اقتصادية.

وقالت اليو ماري، لصحيفة <<لو باريسيان>> الفرنسية، إن <<العقوبات يجب أن تطبق على جميع الذين شاركوا في اغتيال رئيس الوزراء الحريري>>. وأضافت أن تقرير ميليس <<يطالب بتحقيق أعمق>>، مشيرة إلى أن <<على سوريا أن تحترم جميع قواعد المجتمع الدولي>>.

<<واشنطن بوست>>

ونقلت صحيفة <<واشنطن بوست>> عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى قولهم إن <<إدارة بوش تدرس سلسلة من الخطوات الهادفة إلى تفكيك النظام في سوريا من دون إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، على الأقل ليس في الوقت الراهن>>. وقال المسؤولون، بحسب الصحيفة نفسها، إن <<واشنطن تنوي الضغط على أكثر خصومها ثباتاً في العالم العربي من أجل التعاون، ليس فقط في لبنان، وذلك عبر نوع من الضغوط التي حولت في النهاية القذافي بعدما ربط عملاء ليبيون في تفجير طائرة بان آم الأميركية في العام 1988>>.

ونقلت الصحيفة عن أحد كبار صناع القرار الأميركيين قوله إن تقرير ميليس <<الذي يربط مسؤولين سوريين كبار، بينهم أعضاء من عائلة الأسد>> باغتيال الحريري أثار <<تحولا في كيفية تعامل العالم مع دمشق، وهو تحول تريد واشنطن تنميته>>. وأضاف <<خرجت من المأساة فرصة استراتيجية استثنائية. غيرت هذه الجريمة كل شيء>>.
وقال مسؤولون أميركيون إن <<الهدف البعيد الأمد لواشنطن هو سحق عائلة الأسد والسماح للسوريين باختيار حكومة جديدة بحرية. لكن الإدارة مجبرة، على المدى القصير، على أن تختار ترك تحقيق الأمم المتحدة والعملية القضائية اللاحقة معطوفة على العقوبات الدولية تأكل سلطة الأسد ومن ثم الانتظار لرؤية ما إذا كان سيغير حينها الممارسات السورية في المنطقة>>.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن <<إدارة بوش، وبعد بحث كثيف عن البدائل، خلصت إلى أنه لا يوجد حزب قوي كفاية وصديق بما يكفي للمصادقة عليه كبديل للأسد>>. وأضافوا إن <<سياسة أكثر عدوانية من تغيير النظام يمكن أن ترتد>> وتعيد نوعا من <<عدم الاستقرار العنيف>> الذي كان قائما في سوريا قبل أن يتولى الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة.

وقال مسؤولون أميركيون إن واشنطن تجري أيضا محادثات مع حلفائها الأوروبيين حول مساعدة لبنان في محاكمة هؤلاء المتهمين في الاغتيال، وبينها إجراء محاكمات مع مساعدة دولية، أو إجراء المحاكمة خارج لبنان.

ويؤكد المسؤولون الأميركيون، بحسب الصحيفة، أن سوريا مصممة على أن تغير دمشق سلوكها، <<لكنها خلافا للحال مع ليبيا، غير مستعدة لترك عملية التغيير تستغرق عقدا من الزمن. وضع سوريا أكثر إلحاحا بكثير>>.

وذكرت صحيفة <<صنداي تايمز>> البريطانية أمس أن وكالات استخبارات أميركية عديدة حذرت من أن الكشف عن تورط مسؤولين سوريين في اغتيال الحريري يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام في دمشق وبالتالي تقويض الجهود الأميركية الرامية إلى الحؤول دون تدفق الإرهابيين عبر الحدود مع العراق. وأوضحت الصحيفة أن <<وكالات استخبارات أميركية وبريطانية وإسرائيلية انتهت إلى أن موقع (الرئيس السوري بشار) الأسد ضعف بشكل خطير بسبب الاتهامات بأن صهره القوي، آصف شوكت، رئيس الاستخبارات العسكرية، تآمر على اغتيال الحريري>>.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله <<لا نريد فوضى في سوريا في وقت نحاول وقف الفوضى في العراق>>.

ونقلت الصحيفة عن <<مصادر رفيعة في الشرق الأوسط>> قولها إن <<الأسد كان حاضرا في اجتماع عندما اقترح شوكت وشقيق الرئيس، ماهر، اغتيال الحريري. قيل إن الأسد رفض الخطة، لكن شوكت وماهر، وهو أيضا قائد الحرس الجمهوري، مضيا قدماً>> فيها. وقالت الصحيفة إن <<مصادر استخباراتية إقليمية وصفت كشف المؤامرة السورية بأنه أكبر تهديد لهيمنة عائلة الأسد على سوريا منذ ورث بشار الرئاسة عن والده منذ نحو خمس سنوات>>.

وأضافت الصحيفة إن <<قلق واشنطن هو أن ليس لديه خليفة واضح وأن صراعا فوضويا على السلطة يمكن أن يخدم مصالح المتمردين العراقيين الذين يستخدمون سوريا كقاعدة لهم>>.

مصادر
السفير (لبنان)