أعلن في دمشق عن نقاط تحالفية سميت "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي"، تبنتها خمس مجموعات سياسية وتسع شخصيات مستقلة في مؤتمر صحافي مقتضب في مكتب المحامي حسن عبد العظيم، الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي، أكبر المجموعات السياسية المشاركة في صياغة البيان. وسرعان ما سارعت مجموعات سياسية في الداخل والخارج بتبني هذا البيان أو ساندته أو انضمت إليه. من بين أهم المجموعات في الخارج جماعة "الإخوان المسلمين" و"حزب الإصلاح السوري"، بزعامة فريد الغادري.

ولا شك أن الحدث بحد ذاته مهم، فالإعلان تبنته قوى سياسية عربية وكردية، بدعم من بعض العشائر العربية، إضافة إلى أن بعض الشخصيات المستقلة تلقى احتراما كبيرا في أوساط الشارع السياسي السوري، كالنائب رياض سيف والشيخ جودت سعيد والشيخ نواف راغب البشير.

ومع ذلك فإن الأمانة وحسن التحليل يدفعاننا إلى تبيان بعض نقاط الضعف في هذا البيان، وسنجملها في النقاط الآتية:

- يدعو البيان إلى "التغيير الوطني- الديمقراطي،" وهو شعار رفعه التجمع الوطني الديمقراطي مطلع ثمانينات القرن الفائت. بيد أن مفردات هذا التغيير لا تزال غائبة وعامة وضبابية. فما هو شكل الحكم المنشود في سورية: هل هو رئاسي (كفرنسا والولايات المتحدة) أم برلماني (كألمانيا أو النرويج)؟ وما هي حدود الوطن؟ وكيف يتداخل ما هو قومي (سواء أكان قوميا عربيا أم قوميا كرديا) بما هو وطني؟ كل هذه أسئلة لم يكلف كاتبو البيان أنفسهم عناء الإجابة عليها.

- يركز الإعلان بشكل مطلق على التغيير السياسي المقبل ويفتقر إلى أي رؤية اقتصادية لمستقبل سورية. وبذلك يفقد أهميته كبرنامج لتغيير مستقبلي.

- كما يفتقر البيان أيضا إلى التركيز على الجانب الاجتماعي. فبينما يتناول قضايا الانتخابات والدستور والجمعية التأسيسية وقانون الأحزاب والمنظومة العربية، لا يشير من قريب أو بعيد الى قضايا مثل الفقر والتعليم والثقافة والأطفال والمرأة.

- الإعلان عبارة عن خطوط عريضة جدا، قصد منها على الأرجح أن تنال موافقة جميع الأطراف الموقعة وأن تكون عامل جذب للأطراف التي لم توقع بعد. وهذا أمر جيد إذا افترضنا أن كل فصيل من الفصائل الموقعة على الإعلان له برنامجه السياسي الخاص، الواضح والمحدد والذي يبين رؤيته السياسية لحاضر سورية ومستقبلها. والحال أن هذا الأمر غير وارد. فالفصيل الأساسي الموقع على الإعلان هو التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم خمسة أحزاب: اثنان منها هي مجرد أسماء على الورق هما حزب البعث الديمقراطي وحركة الاشتراكيين العرب والأحزاب الثلاثة الأخرى، باستثناء حزب الشعب الديمقراطي، ليس لديها أي برامج ورؤى تفصيلية عن مستقبل البلاد. وهكذا فإن عقد هذا التحالف سيفرط عند أول امتحان حقيقي له.

- استبعد الموقعون على الإعلان قوى سياسية يمكن أن تشاطرهم معظم أفكارهم لأسباب غير مبررة. ومن أهم القوى المستبعدة حزب العمل الشيوعي الذي يمتلك تاريخا سياسيا عريقا يؤهله ليكون طرفا فاعلا في هذا التحالف الجديد. وكان هذا الفصيل قد شارك في صياغة كل الوثائق والبيانات المشتركة التي صاغتها لجنة التنسيق التي تمخضت لاحقا عن ولادة "إعلان دمشق". بيد أن عاملين اثنين يمكن أن يكونا لعبا دورا في استبعاده: العامل الأول هو الحساسية التاريخية بين أحد الفصائل المهمة في التجمع الوطني الديمقراطي وبينه والثاني هو عدم موافقة حزب العمل على المضمون الديني الذي برز في الإعلان. وقد عبر أحد أهم قادة هذا الحزب عن قلقه العميق من نقطتين أساسيتين: الطريقة التي تمت بها المداولات التي أسفرت عن إعلان دمشق والمضمون الديني الذي يوحي به هذا الإعلان.

- يطالب البيان بحشد طاقات السوريين للخروج من الدولة الأمنية إلى الدولة السياسية. وهذا تحريف خطير لما يطالب به السوريون، الدولة السياسية تعريف مبهم. أي دولة هي دولة سياسية، بما فيها دول مثل كوريا الشمالية، مثلا. أما السوريون فيطمحون إلى الدولة المدنية القائمة على القانون ومفهوم الحق والحقوق الفردية وتكافؤ الفرص.

- يقدم الإعلان الدين الإسلامي باعتباره الوعاء الذي تبلورت فيه حضارتنا العربية وتشكلت في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه. لا أحد ينكر الأهمية التاريخية للثقافة الإسلامية كوعاء للحضارة العربية، ولكن أي فكرة يمكن لإدخال هذا التعريف في مقدمة البيان أن يخدم في الحديث عن مستقبل ديمقراطي لبلد متعدد الثقافات والقوميات والأديان؟ سنجد الجواب في منتصف البيان عندما يطالب البيان بحق جميع "مكونات الشعب السوري" على اختلاف الانتماءات الدينية والقومية والاجتماعية بالعمل السياسي؛ كما يحق لنا أن نفهم، تكوين الأحزاب على أسس قومية ومذهبية وطائفية أيضا. إن مستقبلا ديمقراطيا يقوم على المذهبية والانقسام القومي لن يكون بالتأكيد مطمحا للسوريين. ويحق لنا أن نخمن أن هذه المدافعة ليست سوى استرضاء لجماعة الإخوان المسلمين التي سرعان ما أعلنت انضمامها الى الموقعين على إعلان دمشق من جانب، والى التنظيمات الكردية من جانب آخر.

- خلا البيان من توقيع مثقفين مسيحيين ومن بعض الطوائف الإسلامية الأخرى. وقد بدأ البيان يثير بالفعل قلقا لدى المسيحيين السوريين وأبناء الأقليات الأخرى في سورية. إن من واجب الغالبية دائما أن تطمئن الأقليات، ليس بمعسول الكلام وإنما بالفعل، وانطلاقا من قناعة لا بد أن تكون أصيلة وراسخة بأن المواطنة هي الأساس الوحيد لحقوق الأفراد والجماعات. وبالتالي، فليس ثمة ما يبرر الإحالة في برنامج سياسي إلى أي بعد ثقافي فئوي، سواء أكان هذا البعد يعبر عن الأقلية أم الأكثرية.

- واستطرادا، خلا البيان من أي إشارة إلى علمانية الدولة ومبدأ فصل الدين عن السلطة ومؤسسات الدولة، وهو أساس من أسس الديمقراطية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها بأي ذريعة كانت.

مصادر
صدى البلد (لبنان)